تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٢، ص : ١١٢١
و ضمنتم حفظه، ولكني مع قلة طمأنينتي، أفوض أمري إلى الله ربّي، وأثق به، وأتوكّل عليه، وهو أرحم الرّاحمين بي، وسيرحم كبري وضعفي وتعلّقي بولدي، وأرجو الله أن يرحمني بحفظه، وأن يردّه علي، ويجمع الشّمل. وهذا استسلام من يعقوب عليه السّلام وتوكّل عليه، وذلك موقف الأنبياء النابع من الإيمان العميق والاطمئنان لربّ العالمين، وهو موقف يتأسى به أهل الإيمان.
وزاد الإغراء بإرسال بنيامين أن الإخوة لما فتحوا أمتعتهم وأوعية طعامهم، وجدوا بضاعتهم من النقود ثمن الطعام قد ردّت إليهم، وتلك فعلة يوسف عليه السّلام الذي أمر بوضعها في رحالهم، وقالوا على الفور : يا أبانا ماذا نريد زيادة على هذا الإكرام والإحسان من ملك مصر، كما حدّثناك، فما تعدّينا، فكذبنا على هذا الملك، ولا في وصف إجماله وإكرامه، هذه البضاعة مردودة، ونأتي بالميرة (الطعام) إلى أهلينا من مصر، ونحفظ أخانا، بنيامين بعنايتنا ورعايتنا، فلا تخف عليه، ونزداد مكيال بعير لأجله، وذلك الحمل الزائد أمر يسير على هذا الحاكم السّخي، الرّحيم إذا أخذنا أخانا معنا.
قال يعقوب مريدا التّوثق من أولاده، وقد تذكر ماضي يوسف ومحنته : لن أرسل بنيامين معكم حتى تعاهدوني عهدا موثّقا باليمين، لتعودنّ به على أي حال كنتم، إلا في حال يمتنع ذلك عنكم بأن تهلكوا وتموتوا أو تغلبوا على أمركم وتقهروا جميعا، ولا تقدرون على تخليصه، فقوله سبحانه : إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ لفظ عام لجميع وجوه الغلبة والقسر، أي تعمّكم الغلبة من جميع الجهات، حتى لا تكون لكم حيلة ولا وجه تخلّص، وكأن هذا استشعار من بعد عما يتم، ولكن لا بآلة، وإنما بفيض النّبوة.
فلما آتوه، أي عاهدوه وأعطوه موثقهم، أي عهدهم المؤكد باليمين، قال