تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٢، ص : ١٢٣٤
فأحرقتهم. قال الطبري : بعث شعيب إلى أمّتين كفرتا، فعذّبهم الله بعذابين مختلفين :
أهل مدين عذّبوا بالصيحة، وأصحاب الأيكة عذّبوا بالظّلّة.
وإن كلّا من قرى قوم لوط، وبقعة أصحاب الأيكة، لبطريق واضح، يسلكه الناس في سفرهم من الحجاز إلى الشام. وكلمة (إمام) أي الشي ء الذي يهتدى به ويؤتم، كخيط البناء، والطريق، والكتاب المفيد، أو قياس الصانع، أو الرجل المقتدى به.
وقوله تعالى : وَإِنْ كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ أي إنّ، فكلمة (إن) هنا هي المخففة من الثقيلة على مذهب البصريين.
والقصة الثانية في هذه الآيات : هي قصة أصحاب الحجر، والحجر مدينتهم، وهي ما بين المدينة وتبوك، لقد كذبوا رسولهم ثمود، وعبّر عنه بكلمة الْمُرْسَلِينَ لأن تكذيب رسول واحد تكذيب الجميع لاتّفاق أصول دعوتهم في التوحيد وعبادة الله، ومكارم الأخلاق والفضائل، وتجنّب الرّذائل.
وكان قوم ثمود ممن أنعم الله عليهم، فأعطاهم من الآيات والدلائل ما يدلّهم على صدق نبوّة صالح عليه السّلام، كالناقة التي أخرجها الله من صخرة صماء، بدعاء صالح عليه السّلام، فأعرضوا عنها، ولم يعتبروا بها، وبادروا إلى عقرها.
وكانت لهم بيوت ينحتونها في الجبال، صاروا بها آمنين من الأعداء، من غير خوف، لقوّة إحكامها، وهي ما تزال مشاهدة على الطريق إلى تبوك.
فلما عتوا عن أمر ربهم، وبغوا، وعقروا الناقة، أخذتهم صيحة الهلاك في وقت الصباح، من اليوم الرابع للإنذار بالعذاب، كما قال الله تعالى : تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ [هود : ١١/ ٦٥].
فما نفعتهم الأموال والديار حين حلّ بهم العذاب، ولم يستفيدوا من مكاسبهم