تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٢، ص : ١٤٣٥
بين المشركين وآلهتهم المزعومة مكانا سحيقا، وموضعا للهلاك، هو نار جهنم، أو واد في جهنم، فالموبق كما قال ابن عمر وأنس ومجاهد : هو واد في جهنم يجري بدم وصديد.
وشاهد المجرمون الكفرة في القيامة نار جهنم، فظنوا أنهم مواقعوها، أي تيقّنوا وعلموا لا محالة أنهم داخلون فيها حتما، ولم يجدوا عنها مصرفا، أي معدلا.
والمراد : ليس لهم طريق ولإمكان يعدل بهم عنها، ولا بدّ لهم منها، لإحاطتها بهم من كل جانب، ولشدة ما يسمعون من تغيظها وزفيرها.
ذكر ابن جرير الطبري عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم قال :«إن الكافر ليرى جهنم، فيظن أنها مواقعته، من مسيرة أربعين سنة».
وفي الجملة : هذه الآيات توبيخ شديد لمن يوالي أو يناصر غير الله تعالى، فإن الاستعانة بغير الله أو طلب النصرة من أحد غير الله، جنّ أو إنس ضلال وبهتان وانحدار عن مستوى العقل البشري والكرامة الإنسانية، فمن أعمل عقله بوعي، وأصغى لنداء القرآن، عرف أن الملجأ الوحيد للإعانة والمساعدة والإنقاذ والنجاة في الدنيا والآخرة إنما هو الله وحده لا شريك له.
بيان القرآن ومهام الرسل
تميز البيان القرآني بالواقعية، والجدية الحاسمة، وضرب الأمثال القريبة للذهن والحس، حتى لا يبقى عذر أو مانع لأحد من الاستجابة السريعة لنداء الحق، وانضم إلى هذا البيان قيام الرسل والأنبياء بمهام التبشير والإنذار، وإيضاح منهاج الحق الإلهي وبيان السلوك القويم للبشرية، ولم يعد بعدئذ سوى المكابرة والعناد والنقاش الساقط، والجدال بالباطل، والإعراض عن آيات الله والاستهزاء بها، من


الصفحة التالية
Icon