تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٢، ص : ١٤٣٨
دليل على أن أهل الهداية والإيمان يحبون الخير للناس أكثر مما يحبونه لأنفسهم في واقع الأمر.
صفات المجادلين بالباطل
وصف الله تعالى الكفار المجادلين بالباطل بصفات موجبة للخزي والخذلان، تقوم على الجور والإرهاب الفكري، فهم قوم ظلمة، وعلى الرغم من ذلك فإن رحمة الله اقتضت ألا يعاجلهم بالعقوبة، ليترك لهم الفرصة الكافية على العدول عما هم عليه من العصيان، وإعلان التوبة عن سوء الاعتقاد والفعال، وهذا هو منهاج التوازن والاعتدال، فليست دائما الرحمة فوق العدل، ولا العدل فوق القوة، وإنما الرحمة والعدل والقوة صفات متوازنة ومتلازمة، يستعمل الواحد منها في محله، وتلك هي الحكمة والوسطية، قال الله تعالى مبينا صفات المجادلين بالباطل :
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٥٧ الى ٥٩]
وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً (٥٧) وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً (٥٨) وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً (٥٩)
«١» «٢» «٣» «٤» [الكهف : ١٨/ ٥٧- ٥٩].
ليس هناك أحد أظلم ممن أعرض عن آيات الله، بعد الوقوف عليها بالتذكير، وينسى ويطرح كبائره ومعاصيه التي أسلفها، وهذا غاية الإهمال. ونسبة السيئات إلى اليدين : وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ من حيث كانت اليدان آلة التكسب في الأمور الجرمية، فجعلت كذلك في الأمور المعنوية أو المعاني، على سبيل الاستعارة.
(٢) أي ثقلا في السمع.
(٣) منجىّ وملجأ.
(٤) لهلاكهم.