تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٢، ص : ١٤٦٧
نعمت هذه الخصائص لسيدنا يحيى بن زكريا عليه السلام، فإنه انفرد بها، وعظم بين الناس بسببها في حال حياته، وبعد استشهاده، لأن اليهود قتلوه مع أبيه زكريا، وهو الملقب بيحيى الحصور، روي أنه لم يواقع معصية صغيرة ولا كبيرة.
قال قتادة رحمه الله :(إن يحيى بن زكريا، عليه السلام، لم يعص الله قطّ بكبيرة ولا صغيرة، ولا هم بامرأة).
وقال قتادة أيضا : وكان طعام يحيى صلوات الله عليه العشب، وكان للدمع في خدّه مجار ثابتة.
وكان يحيى ابن خالة عيسى عليهما السلام، وقد التقيا، فقال يحيى لعيسى :«ادع لي، فأنت خير مني، فقال له عيسى : بل أنت ادع لي، فأنت خير مني، سلّم الله عليك، وأنا سلّمت على نفسي».
حمل السيدة مريم بعيسى عليه السلام
إذا كان خلق يحيى عليه السلام من أبوين كبيرين محل تعجب واستغراب، فإن هناك خلقا أعجب للناس، هو خلق عيسى عليه السلام الطاهر النقي من غير أب، والخلق الأعجب من الأمرين : هو خلق آدم عليه السلام أبي البشر من غير أب ولا أم، وكل ذلك داخل في مضمون قدرة الله الخارقة، الشاملة لإحداث الأشياء وإيجادها من غير مثال سبق، والحديث الآن عن الحالة الثانية وهي حمل السيدة مريم بابنها عيسى عليه السلام من غير أب، قال الله تعالى :
[سورة مريم (١٩) : الآيات ١٦ الى ٢٢]
وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا (١٦) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا (١٧) قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (١٨) قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا (١٩) قالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (٢٠)
قالَ كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا (٢١) فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا (٢٢)
«١»

(١) اعتزلت.


الصفحة التالية
Icon