تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٢، ص : ١٥٣٨
ورد في الصحيحين :«إن أهل علّيين ليرون من فوقهم، كما ترون الكوكب الغابر في أفق السماء، لتفاضل ما بينهم، قالوا : يا رسول الله، تلك منازل الأنبياء؟
قال : بلى، والذي نفسي بيده، رجال آمنوا بالله، وصدقوا بالله، وصدقوا المرسلين»
و في السّنن :«و إن أبا بكر وعمر لمنهم وأنعما».
تلك الدرجات العلى في جنات عدن، أي إقامة دائمة، تجري من تحت غرفها الأنهار، ماكثين فيها أبدا، وذلك الفوز الذي أحرزوه جزاء من طهّر نفسه من دنس الكفر والمعاصي الموجبة للنار، واتّبع المرسلين فيما جاؤوا به من عند الله العلي القدير. فليهنأ سحرة فرعون، إنهم آمنوا في جو من الإرهاب، وفي ميادين التعذيب والجلد والتقطيع، وإيمان كهذا له منزلته العظمى، وهو دليل على قوته وثباته، وأنه لا يخامره أي شك أو شبهة، فاستحقوا بذلك الدرجات العلى.
إغراق فرعون وجنوده في البحر
إن أكبر عظة للمتغطرسين المتألهين : ما حدث لفرعون الطاغية الذي ادعى الربوبية والألوهية، فكان مصيره الإغراق هو وجنوده في البحر، وإنجاؤه بجسده، ليراه الناس، ويكون لمن خلفه عبرة وعظة، وكان الإغراق حدثا عجبا، لم يكن بإغراق باخرة، ولا بدحر جيش، وإنما تم استدراجه بطريق يبس أوجده الله لموسى وقومه، فنجوا، فتبعهم فرعون وجنوده فيه، فأطبق عليهم الماء، وهلكوا جميعا. قال الله تعالى مبينا هذا الحادث العجيب :
[سورة طه (٢٠) : الآيات ٧٧ الى ٨٢]
وَ لَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى (٧٧) فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ (٧٨) وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى (٧٩) يا بَنِي إِسْرائِيلَ قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى (٨٠) كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى (٨١)
وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى (٨٢)
«١» «٢»
(٢) جافا.