تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٢، ص : ١٥٧٢
مساوئ القول بتعدد الآلهة
إن أخطر آفة أصيب بها العقل البشري : هي القول بتعدد الآلهة، فهي فضلا عن أنها انحدار في مستوى التفكير الإنساني، وسذاجة في التصور، وفساد في الاعتقاد، هي أيضا ذات مساوئ خطيرة في نظام الكون، سمائه وأرضه، لأن تعدد السلطات يؤدي عادة إلى الخلاف والمنازعة، ويترتب على الخلاف والنزاع فساد نظام الأرض والسماء، واضطراب النواميس الكونية والقوانين المحكمة التي بها يصلح النظام الكوني، وقد نبّه القرآن العظيم لمساوئ هذه الظاهرة الوثنية الخطيرة في الآيات الآتية :
[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٢١ الى ٢٤]
أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ (٢١) لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (٢٢) لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ (٢٣) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٤)
«١» «٢» [الأنبياء : ٢١/ ٢١- ٢٤].
هذه الآيات تفنيد لمزاعم المشركين القائلين بتعدد الآلهة، من غير دليل ولا برهان، وتعرية لمواقفهم المضطربة، وإظهار لحقيقة أمرهم، لقد وقفهم الله تعالى على الحقيقة الماثلة في أذهانهم وعلى ضعف الموقف الذي وقفوه، وهو : هل اتخذوا آلهة يحيون ويخترعون؟ الحق أنه ليست آلهتهم كذلك، فهي غير آلهة إذن، لأن من صفة الإله : القدرة على الإحياء والإماتة، وآلهتهم لا يقدرون على شي ء من ذلك، فكيف جعلوها لله ندا وعبدوها معه؟! وهذا تذكير بخواص الألوهية التي منها إحياء الموتى من قبورهم، فإن المشركين بادعائهم الألوهية للأصنام ونحوها، يثبتون لها تلك الصفة، ووصف تلك الآلهة
(٢) أي يحيون الموتى من قبورهم.