تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٢، ص : ١٥٧٣
بأنها من الأرض : إشارة إلى أنها من الأصنام المعبودة في الأرض، وهذا تهكم بهم، وتوبيخ، وتجهيل لهم.
ثم أبان الله تعالى مساوئ القول بتعدد الآلهة، فإنها لو وجدت لبغى بعضهم على بعض، وذهب كل إله بما خلق، فأحدهم يرى مثلا تحريك جرم سماوي، والآخر يرى تسكينه، فمحال أن تتم الإرادتان، ومحال ألا تتما جميعا، فلو كان في السماوات والأرض آلهة غير الله لخربتا وفسد نظامهما. أما إن اتفقا في التصرف في الكون، فلا داعي للتعدد حينئذ، لأنه يؤدي إلى وجود الخلق والأمر والمقدورات من خالقين قادرين على مخلوق واحد، وهذا محال، لأنه يجعل وقوع المقدور بإرادة الاثنين، لا بإرادة واحد منهما، وهذا لا يصح، لأن لكل منهما إرادة مستقلة بالتأثير، فلا يعقل وقوع مخلوق لخالقين.
لذا تنزه الله تعالى وتقدس عن الذي يفترون ويقولون : إن لله ولدا أو شريكا، وتعاظم عما يأفكون تعاظما كبيرا.
وتأكيدا لهذا التنزيه، لا يسأل الله تعالى عن أفعاله، فهو الحاكم الذي لا معقّب لحكمه، ولا يعترض عليه أحد، لعظمته وجلاله وكبريائه، وإحاطة علمه وروعة حكمته وشمولها، وإنما يسأل خلقه عن أفعالهم، ما عملوا، وما سيعملون.
أ يصح بعد هذه الأدلة أن يتخذوا آلهة من دون الله، ويصفوا الله بأن له شريكا، فإن ادعوا الشريك، فليأتوا ببرهانهم على ذلك، إما من العقل وإما من الوحي، ولن يجدوا كتابا من كتب الأولين كالإنجيل والتوراة إلا وفيه تقرير لتوحيد الله وتنزيهه عن الشركاء، كما أن العقل كما تقدم يرفض وجود إلهين.
هذا الوحي الوارد بتقرير توحيد الله ونفي الشركاء عنه، هو ما نزل على النبي محمد صلّى اللّه عليه وسلّم وعلى جميع الأنبياء السابقين، فهو ذكر، أي عظة للذين مع النبي، أي أمته،