تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٢، ص : ١٥٨٩
و يكون الخوف المزدوج من لقاء الله، في السر، ومن أهوال القيامة علامة على الإيمان الحق، والتقوى (التزام الأحكام) التي هي ملاك أمر الدين.
والقرآن العظيم مثل التوراة في بيان أحكام الشريعة، وتعليم الناس مناهج الحق والعقيدة، والفضيلة والسيرة الحميدة، يصل الماضي بالحاضر والمستقبل، ويختم رسالات الأنبياء، ويبين مضمون الوحي الإلهي المتميز بزاخر المنافع، ووافر العطاء.
ثم عبّر الحق سبحانه عن القرآن بقوله : وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ يجمل به خصائص التوراة الآنفة الذكر، أي إن القرآن الكريم المنزل على النبي صلّى اللّه عليه وسلّم تذكر وتذكير، وتدبر وعظة، وبركة وخير، فيه منافع كثيرة، وخيرات غزيرة. وقوله سبحانه عن القرآن : أَنْزَلْناهُ إما بمعنى أثبتناه، أو أنزلناه بواسطة جبريل أمين الوحي، ليكون دستور الحياة الإنسانية إلى الأبد. ثم وبخ الله مشركي مكة على إعراضهم عن القرآن، مخاطبا إياهم بما معناه :
أ فمثل هذا الكتاب المنزل من عند الله، مع كثرة منافعه وخيراته، كيف يمكنكم يا مشركي مكة وأمثالكم إنكاره والتصدي له والحيلولة دونه، وكيف تنكرونه، وهو في غاية الجلاء والوضوح؟ وهل يصح لكم إنكار بركته ونفعه، وما فيه من الدعاء إلى الله تعالى وإلى صالح العمل؟
و أنتم تعلمون في قرارة نفوسكم أنه كتاب من عند الله وأنه كلام الله، بدليل أنه معجز لا يبارى ولا يجارى، لاشتماله على النظم العجيب، والبلاغة العالية، والأدلة العقلية، وبيان الشرائع والأحكام. فكيف تنكرون إنزاله من عند الله، وأنتم أيها العرب خير من يقدر روعة الكلام، وجزالة البيان، وفصاحة اللسان، وإحكام النظم والمعنى؟