تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٢، ص : ١٥٩٤
ينطقون، فكيف تطلب منا سؤالهم إن كانوا ينطقون؟! أي إنهم احتجوا على إبراهيم بما هو الحجة لإبراهيم عليهم، بسبب الحيرة التي أدركتهم.
وحينئذ وجد إبراهيم عند هذه المقالة موضع الحجة، فوبخهم على عبادتهم تماثيل، لا تنفع بذاتها ولا تضر.
ولقد احتج إبراهيم عليه السلام على قومه بحجتين عقليتين مقبولتين وهما :
الأولى : قوله بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فلو كانت الأصنام تعقل، أو تتمكن من حماية نفسها وغيرها، لكان شأن الكبير حماية الأتباع والصغار.
الثاني : قوله فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ ليقولوا على الفور : إنهم لا ينطقون، ولا ينفعون ولا يضرون، فيقول لهم : فلم تعبدونهم إذن؟ فتقوم الحجة عليهم.
لقد حقق إبراهيم عليه السلام مأربه بالاعتذار بقوله :«إني سقيم» وهذه في الظاهر كذبة، لكنها من أجل المصلحة، وهي كذبة في ذات الله تؤدي إلى خزي قوم مشركين وثنيين، والحديث الصحيح يقتضي ذلك، وهو
قول النبي صلّى اللّه عليه وسلّم :«لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات، قوله :«إني سقيم» وقوله :«بل فعله كبيرهم هذا» وقوله للمليك :
«هي أختي» «١»».
أي قوله للملك الذي أراد زوجته، فحماها الله منه، بقول إبراهيم :«هي أختي»، أي إنها أخت له في الإسلام والإنسانية، والحقيقة : هذه الحالات هي كذبات في الظاهر، لكنها في الحقيقة والواقع لتحقيق مصلحة كبري تتعلق بالحفاظ على الدين أو النفس أو العرض.

(١) رواه البخاري ومسلم وأحمد وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه.


الصفحة التالية
Icon