تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٢، ص : ١٧١٨
و يؤكد الله تعالى اقتراب العذاب من هؤلاء، فيخبر سبحانه : لو شئنا لأريناك ما نوقعه بهم من النقم والبلاء والمحن، ولكنا نؤخره لوقت معلوم، لأن بعض ذرياتهم سيكون من المؤمنين الأصفياء.
والتوجيه الثاني : مقابلة الإساءة بالإحسان، فقابل أيها النبي السيئة بالحسنة، وتحمل ما تتعرض له من أنواع أذى المشركين وتكذيبهم، وادفع بالخصلة التي هي أحسن، بالصفح والعفو، والصبر على الأذى، والكلام الجميل، كالسلام، أي إنه أمر عليه السلام بالصفح ومكارم الأخلاق، لأن الله أعلم بحال القوم الضالين، وبما يصفون ربهم من الشرك والتكذيب. وهذا وعد للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم، معناه اشتغل أيها النبي بدعوتك، وكل تعذيبهم والنقمة منهم إلينا.
والتوجيه الثالث : الاعتصام بالله، ومضمونه اعتصم بالله والتجأ إلى الله تعالى من وساوس الشياطين المغرية بالسوء والعصيان ومخالفة الأوامر، وتعوذ بالله وتحصن من حضور الشياطين في شي ء من الأمور، فإنهم إذا حضروا كانوا معدّين للهمز، وهذا توجيه للتحصن من الشيطان في كل أمر وفعل، سواء في الأحوال العادية أو في سورات الغضب التي لا يملك الإنسان فيها نفسه، فإن النزعات وسورات الغضب هي من الشيطان. وهذه هي الحالة التي كانت تصيب المؤمنين مع الكفار، فتزيد الحمية من تعقيد الأوضاع، فإن كان هناك اعتصام بالله، والتجاء إليه وتعوذ من الشيطان، خفّت الأزمة، وبرزت الحكمة، والهمزات : جمع همزة، والهمز : النخس والدفع والإثارة، أو الوخذ باليد وغيرها.
وقد كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يلتزم هذا التوجيه في كل الأحوال،
أخرج أبو داود أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقول :«اللهم إني أعوذ بك من الهرم، وأعوذ بك من الهدم ومن الغرق، وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان