تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٢، ص : ١٧٦٧
عقيدة الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها، قال الله تعالى مبينا هذه الخصائص ليعيها سلاطينهم وحكامهم على الدوام :
[سورة النور (٢٤) : الآيات ٥٥ الى ٥٧]
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٥٥) وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٥٦) لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْواهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٥٧)
[النور : ٢٤/ ٥٥- ٥٧].
سبب نزول هذه الآيات : هو ما
رواه الحاكم والطبراني عن أبي بن كعب قال : لما قدم رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه المدينة، وآوتهم الأنصار، رمتهم العرب عن قوس واحدة، وكانوا لا يبيتون إلا بالسلاح، ولا يصبحون إلا فيه، فقالوا : ترون أنّا نعيش حتى نبيت آمنين مطمئنين، لا نخاف إلا الله، فنزلت آية : وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ.. الآية.
لا يصح للمؤمنين المجاهدين أن يضجروا من مكافحة الأعداء، ولا ييأسوا من الحظوة بمظلة الإيمان، والبعد من الخوف على أنفسهم، حتى وإن استمروا في حمل السلاح، لأنه في النهاية ستتحقق لهم الثمرة اليانعة، وهي الاستخلاف في الأرض، فقد وعد الله الذين آمنوا بحق، وعملوا صالح الأعمال أن يستخلفهم في الأرض، واستخلافهم : هو أن يملّكهم البلاد، ويجعلهم أهلها، كما جرى في الشام والعراق وخراسان والمغرب، بدءا من خلافة الخلفاء الراشدين : أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، لأنهم أهل الإيمان وعمل الصالحات.
وذلك كاستخلاف الذين سبقوهم في الإيمان والصلاح على الأرض، كداود وسليمان عليهما السلام، وقد تحقق هذا الوعد الإلهي، لأن وعد الله منجّز،