تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٢، ص : ١٧٩٠
الرسل بشر لا ملائكة
إن أبسط مبادئ الرسالة أو السفارة أن يكون الرسول أو السفير من جنس المرسل إليهم، لتحقيق أهداف الرسالة من أيسر الطرق، وتمكين الرسول والمرسل إليه من النقاش والحوار المؤدي للغاية، لذا كان الأنبياء والرسل من جنس البشر المرسل إليهم، بل من أقوامهم وإخوانهم، أو من بني جلدتهم وعشيرتهم، حتى يكون اللقاء أو الخطاب مثمرا، ولكن المشركين من عهد نوح عليه السلام إلى عهد خاتم النبيين محمد بن عبدالله صلّى اللّه عليه وسلّم اشتبه عليهم أمر الرسالة، وظنوا أن الرسول ينبغي أن يكون من جنس أسمى أو أعلى من المرسل إليه، فأنكروا بشرية الرسل، وطالبوا بأن يكون النبي المرسل أحد الملائكة، أخبر القرآن الكريم عن هذه التطلعات في قول الله تعالى :
[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ٢٠ الى ٢١]
وَ ما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً (٢٠) وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً (٢١)
«١» «٢» [الفرقان : ٢٥/ ٢٠- ٢١].
قال ابن عباس رضي الله عنهما فيما أخرجه الواحدي وابن جرير الطبري، لما عير المشركون رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم بالفاقة، وقالوا :«ما لهذا الرسول يأكل الطعام، ويمشي في الأسواق» حزن رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم، فنزل : وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ
و مفعول «أرسلنا» محذوف، يدل عليه الكلام، تقديره : رجالا أو رسلا، وعلى هذا المفعول المحذوف المقدّر، يعود الضمير في قوله : إِلَّا إِنَّهُمْ.
والمعنى : إن جميع الرسل المرسلين من عند الله كانوا بشرا يأكلون الطعام، للتغذي
(٢) تجاوزوا الحد في الطغيان.