تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٢، ص : ١٨٢٠
قتله الرجل الذي وكزه، فخشي أن يقتصّ منه، فقال الله له ردّا لقوله : كَلَّا لا تخف من شي ء، فإني متكفّل بتغلّبك ونصرك. وأمره ربّه أن يذهب مع أخيه هارون بآيات الله : وهي جميع ما بعثهما الله تعالى به، وأعظم ذلك : العصا، ثم اليد، إننا سامعون ما يقولون وما يجيبون. وقال لهما : اذهبا إلى فرعون، فقولا له برفق ولين :
إننا رسولان من ربّ العالمين، فأطلق حرية الإسرائيليين وأرسلهم معنا إلى الأرض المقدسة، ليعبدوا الله بحرية، وكانت بعثة موسى إلى فرعون بأمرين : أحدهما : إرسال بني إسرائيل وإزالة ذلّ العبودية والغلبة عنهم، والثاني : أن يؤمن فرعون ويهتدي مع قومه.
وقوله تعالى : إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ وارد على جهة التعظيم والجبروت الذي لله تبارك وتعالى، وليس المراد من مُسْتَمِعُونَ طلب الاستماع، وإنما إظهار الاهتمام لإيناس موسى عليه السّلام.
فكان موقف فرعون متميّزا بالإعراض والازدراء، والتقريع والعتاب بأمرين :
الأول : قوله- أي فرعون- لموسى : ألم نربّك في قصورنا صغيرا، ولم نقتلك كبقية الصّبية، ومكثت معنا مدة من السنين، قيل : إنها ثلاثون سنة. ثم تقابل الإحسان بجحود النعمة، وتبادرنا بالقول الغريب؟! الثاني : فعلت فعلتك الشنيعة وهي قتل الرجل المصري القبطي الذي وكزته، فقضيت عليه، وهو من رعيّتي وأتباعي. والفعلة : المرة من الفعل.
وكانت الفترة بين قتل القبطي وبين رجوع موسى إلى فرعون نبيا : أحد عشر عاما غير أشهر، كما ذكر ابن عطية.
فأجابه موسى : فعلت تلك الفعلة السّيئة وهي قتل القبطي، وأنا من المخطئين غير المتعمّدين، قبل أن يوحى إلي بالرسالة والنّبوة. فولّيت هاربا منكم إلى أرض مدين،