تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٢، ص : ١٨٢١
خوفا من بأسكم، فوهب لي ربي الحكم، أي الفهم والعلم والنّبوة. وأما الامتنان بالتربية فلم تكن تربية حسنة، وإنما أسأت إلى قومي بني إسرائيل، حين استعبدتهم، فجعلتهم عبيدا وخدما أذلاء، فهل الإحسان إلى رجل واحد منهم له اعتبار إذا قورن بالإساءة إلى مجموع قوم، قتّلت أبناءهم، واستبقيت نساءهم أحياء للخدمة؟! إنها ليست بنعمة لأن الواجب كان ألا تقتلني وألا تقتلهم، وألا تستعبدني ولا تستعبدهم بالقتل ولا بالخدمة وغير ذلك. فحاجّه موسى في الأمرين.
- ٢- النّقاش الدائر حول إثبات وجود الله بين موسى وفرعون
استمرّ الجدل والحوار مدة من الزمان بين موسى عليه السّلام وفرعون حاكم مصر، وقد ابتدأ الحوار حول التاريخ الماضي لموسى في مصر، في عهد الطفولة والشباب، ثم دخل الحوار في أمر جوهري حول إثبات وجود الله تعالى، والتعرف على حقيقته وذاته، فكان جواب موسى صارفا البحث عن حقيقة الذات الإلهية، إلى بيان المهم والمفيد : وهو بيان الأفعال والآثار الدّالة على الله تعالى. وهذا ما أوضحته الآيات الآتية :
[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ٢٣ الى ٣١]
قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ (٢٣) قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (٢٤) قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ (٢٥) قالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (٢٦) قالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (٢٧)
قالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (٢٨) قالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (٢٩) قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْ ءٍ مُبِينٍ (٣٠) قالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٣١)
[الشّعراء : ٢٦/ ٢٣- ٣١].
حينما لم يجد فرعون فائدة في الجولة الأولى من المبارزة أو الجدل مع موسى عليه