تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٢، ص : ١٨٢٦
عندي ومن جلسائي، ويلاحظ أنهم ابتدؤوا بطلب الجزاء وهو إما المال وإما الجاه، فبذل فرعون لهم كلا الأمرين.
ولكن تدبير الله فوق كل تدبير، وكان الفوز لموسى عليه السّلام في صميم الحال العامة التي توقع فيها فرعون وقومه إنزال الهزيمة الساحقة بموسى، وإنهاء شأن دعاويه ومحاولاته حمل القوم على رسالته، ولكن قد يؤتى الحذر من مأمنه، وهكذا حدث.
- ٤- المبارزة بين موسى عليه السّلام والسّحرة
كانت الحسابات المتوقعة في منطق القوة التي لا تعتمد على شي ء من الإيمان أن موسى عليه السّلام سينهزم، وأن السّحرة سيتغلّبون، ولكن في منطق الإيمان بالله ربّ العالمين تتغيّر كل الحسابات، وتنقلب الموازين، وكان لترتيب المبارزة أثر كبير في قلب الأوضاع، حيث أدّت مهارة موسى عليه السّلام وتوفيقه من ربّه، بتقديم فعل السّحرة أولا، وتأخّر فعل موسى، إلى نجاح كبير، وحدث ما لم يتوقعه أحد، وهو إيمان السّحرة بربّ العالمين، ربّ موسى وهارون. وفي ذلك النجاح الباهر حدث كبير، يهزّ مشاعر النفوس المؤمنة، ويدفع أهل الإيمان إلى شدّة الثبات على العقيدة وزيادة الإيمان، كما يخدش كبرياء المتغطرسين الذين يفتقدون معيار الإيمان، ولا يدركون معناه. قال الله تعالى مبيّنا هذا المشهد العجيب :
[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ٤٣ الى ٥١]
قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ (٤٣) فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ (٤٤) فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ (٤٥) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ (٤٦) قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ (٤٧)
رَبِّ مُوسى وَهارُونَ (٤٨) قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (٤٩) قالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ (٥٠) إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ (٥١)
«١»

(١) بقوته.


الصفحة التالية
Icon