تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ١٩٢٠
و اعتقدوا بأنه لا قيامة ولا حساب ولا عقاب، ولم يدروا بأن اللّه رقيب عليهم ومجازيهم بما يستحقون. فأغرقهم في البحر في صبيحة يوم واحد، وأفناهم عن آخرهم، فانظر أيها الرسول وكل متأمّل في قدرة اللّه وعظمته، كيف كان مصير هؤلاء الظالمين الذي ظلموا أنفسهم؟ لقد أغرقناهم في اليم، أي في بحر القلزم (البحر الأحمر).
وضاعف اللّه عذابهم حين جعل فرعون وأشراف قومه وأتباعه قادة ضلال، وقدوة لكل كافر وعات، إلى يوم القيامة، لأنهم قاموا بإضلال غيرهم ودعوتهم إلى النار، فجوزوا بجزاءين : جزاء الضلال، والإضلال، وفي يوم القيامة لا يجدون مناصرين لهم، ولا شفعاء يشفعون لهم، لإنقاذهم من بأس اللّه وعذابه.
وألزمناهم على الدوام في الدنيا لعنة وخزيا، وغضبا، على ألسنة المؤمنين والأنبياء المرسلين، كما أنهم يكونون يوم القيامة من المقبوحين، أي الذين يقبح كل أمرهم، قولا لهم وفعلا، ومن المطرودين المبعدين عن رحمة اللّه، كما جاء في آية أخرى :
وَ أُتْبِعُوا فِي هذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ (٩٩) [هود : ١١/ ٩٩].
وتم إنجاء أهل الإيمان بعد إغراق فرعون وقومه، فآتى اللّه موسى كتاب التوراة بعد إهلاك أهل القرون القديمة من قوم نوح وهود وصالح ولوط، ليكون ذلك الكتاب مصدر هداية ونور وتبصّر وتدبّر وتفكّر، ورحمة لمن آمن به، وإرشاد للعمل الطّيب، وإنارة للقلوب، لتمييز الحق من الباطل، لعل الناس يتذكّرون به ويتّعظون، ويهتدون بسببه.
تضمّن هذا الإخبار أن اللّه تعالى أنزل التوراة على موسى، بعد إهلاك فرعون وقومه، وبعد إهلاك الأمم القديمة من عاد وثمود وقرى قوم لوط وغيرها، والقصد من هذا الإخبار التمثيل لقريش وتحذيرهم بما تقدّم في غيرهم من الأمم من ألوان العذاب.


الصفحة التالية
Icon