تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ١٩٢١
إخبار النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم عن الأقوام السابقين
تواترت الأدلة والبراهين على صدق النّبي محمد صلّى اللّه عليه وسلّم، بما أوحى اللّه إليه في القرآن الكريم المعجزة الخالدة أبد الدهر. ، ومن أنباء القرآن : ما قصّه اللّه على نبيّه من أخبار صادقة، عن قوم أو أمم لم يشهدهم، ولم يكن معهم، ولم يدوّن التاريخ أخبارهم، فلم يبق طريق للمعرفة إلا الوحي القرآني فهو المصدر الصحيح لتلك الأخبار، وفي ذلك عظة وعبرة، وبرهان ساطع على صدق النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم. ومن أهم تلك الأخبار بعض فصول قصة موسى عليه السلام، وأهمها إنزال التوراة عليه، في جبل الطور في صحراء سيناء، قال اللّه تعالى :
[سورة القصص (٢٨) : الآيات ٤٤ الى ٤٧]
وَ ما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٤٤) وَلكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَلكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (٤٥) وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا وَلكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٤٦) وَلَوْ لا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٤٧)
«١» «٢» «٣» [القصص : ٢٨/ ٤٤- ٤٧].
المعنى : لم تحضر أيها النّبي هذه الأخبار الغيبية التي نخبر بها، ولكنها صارت إليك بوحينا، وذلك حين أنزلنا التوراة على النّبي موسى عليه السّلام، وما كنت أيها النّبي من الحاضرين تلك المناجاة ومكالمة اللّه تعالى. فكان الواجب على قومك المسارعة إلى الإيمان برسالتك، ولكن تطاول الأمر والزمن على القرون (الأمم) التي أنشأناها، زمنا زمنا، وطال عليها العهد، فاندرست العلوم، وبادت المعارف، وتغيّرت الشرائع، ونسي الناس شرائع اللّه وأحكامه، واستحكمت فيهم الجهالة والضلالة.
(٢) أي أنفذنا وصرفنا التوراة.
(٣) مقيما.