تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ١٩٢٢
و هذا تنبيه على المعجزة، لأن الإخبار عن قصة تاريخية من مئات السنين، دون مشاهدة لأحداثها، دليل واضح على صدق المخبر : وهو رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
وكذلك لم تكن أيها النّبي مقيما بين قوم شعيب في أهل مدين، تقرأ عليهم آياتنا المنزلة، ولكنا، أي ذات الجلالة كنا مرسلين إياك رسولا للناس، وأوحينا إليك بهذه الأخبار.
ولم تكن أيضا أيها الرسول موجودا بجانب جبل الطور، وقت إنزال التوراة إلى موسى، وحين مناداة موسى عليه السّلام وتكليمه ومناجاته، حتى تعرف تفاصيل الخبر، ثم تحدّث به للناس، ولكن علّمناك وأخبرناك بأخبار القرآن، وجعلناك رحمة للعالمين، لتنذر قوما وهم العرب، لم ينذروا من قبل، تنذرهم بأس اللّه وعذابه إن لم يؤمنوا بك، لعلهم يهتدون بما جئتهم به من عند اللّه عزّ وجلّ، ويتذكرون هذه الإنذارات والتحذيرات.
وأما سبب رسالتك أيها النّبي محمد : فهي إخبار قومك والعالم كله بمضمون رسالة اللّه وشرائعه وأحكامه، فإنهم إذا أصابتهم مصيبة العذاب على كفرهم، وما قدمته أيديهم من المعاصي، قالوا : يا ربّنا، هلا أرسلت إلينا رسولا يبيّن لنا صحة العقيدة، ونظام الحياة، فنؤمن بك ربّا واحدا، ونعمل بشريعتك، ونلتزم بدينك ونتّبع أحكامك، فلو لا خشية الاعتذار بالجهل بالأحكام والتعرّض للمصائب، لما أرسلناك رسولا. والمصيبة : عذاب في الدنيا على كفرهم. وجواب قوله تعالى : وَلَوْ لا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ.. محذوف، تقديره : لما أرسلنا الرسل، أي فيكون إرسال الرسل حجة على الناس في تركهم أحكام اللّه عن بيّنة وعلم. وهذا يلتقي مع المبدأ القانوني المعروف :«لا جريمة ولا عقوبة إلا بنصّ».
لذا بعثناك أيها النّبي رسولا للبشرية، نذيرا للإنسانية، تقيم عليهم الحجة البالغة،