تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ١٩٩٠
أوقات الأذكار والعبادة
تحقيقا للصّلة الدائمة بالله تعالى، وإدامة لرقابة الله عزّ وجلّ في السّر والعلن، وضع الحقّ تعالى نظاما متكرّرا منضبطا للتسبيح والتحميد والعبادة، وحضّ على الصلاة في أوقات معينة، وأزمان متكررة، وما أبدع وما أجمل نظام الإسلام بالتذكير بالعبادة عن طريق الأذان الشرعي، الذي هو دعوة دائمة للإيمان والإسلام، بإعلان الشهادتين، والحثّ على أداء الصلاة وتحقيق الفلاح، وإدراك مغزى العبادة، والإيقان بعظمة الله، وأنه أكبر شي ء في هذا الوجود. واستحضار عظمة الله، وإحاطة علمه وقدرته، فهو مبعث الهيبة والوقار، والمبادرة إلى الامتثال، والاستقامة وتحقيق المنال، قال الله تعالى آمرا بالعبادة، حاضّا على الصلاة في أوقات معينة، لأن الإيمان تنزيه بالجنان، وتوحيد باللسان، وعمل صالح يشمل جميع الأركان :
[سورة الروم (٣٠) : الآيات ١٧ الى ١٩]
فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (١٧) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (١٨) يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ (١٩)
«١» [الرّوم : ٣٠/ ١٧- ١٩].
الدنيا مملوءة بالأشياء المختلفة، والمتناقضات والأضداد، تحقيقا لتكامل الكون، وإدراك الفروق والتفاوت بين المخلوقات، فنجد الكفر مقابلا للإيمان، والشقاء موازيا للسعادة، والقبح في مواجهة الجمال، والرذيلة تنافس الفضيلة، والنقمة أمام النعمة، والعذاب قرين الرحمة، وكل واجهة من هذه الواجهات تأكيد لحرّية الإنسان، وتقرير لممارسة حقّه في الإرادة والإختيار، فهو الذي يقبل على ما فيه الوصول إلى رحمة الله ورضوانه، وهو الذي يزجّ بنفسه في موجبات العذاب والعقاب.