تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٠٢٢
و جل : كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ [الأنبياء : ٢١/ ٣٣]. والفلك : اسم لشي ء مستدير. وهي على أي حال مخلوقة بقدرة اللّه تعالى، لا بالمصادفة ولا بالطبيعة، وهي فضاء، والفضاء لا نهاية له، ولا تزول إلا بقدرة اللّه تعالى.
وجعل اللّه في الأرض جبالا شوامخ ثوابت، بثّت في الأرض وأرستها وثقّلتها، لئلا تضطرب بأهلها، وتغمرها مياه البحار والمحيطات المحيطة بها، ومن المعلوم أن المياه أربعة أخماس الأرض، واليابسة هي الخمس.
ونشر اللّه في الأرض كل نوع من أنواع الحيوان التي لا يحصى عددها، ولا يعلم أشكالها وأنواعها إلا خالقها، والمخلوقات البحرية كما قرر العلماء أكثر من المخلوقات البرية. وأنزل اللّه من السماء أو السحاب مطرا يكون سببا لإنبات كل صنف كريم، أي حسن المنظر، كثير المنفعة، وافر العطاء والخير متقن الصنعة والتحكم.
أمام هذه المخلوقات العجيبة، والأصناف البديعة، والخيرات الإلهية العميمة، كيف يليق بالإنسان جحود خالقها، وترك عبادته، لذا وبخ اللّه تعالى المشركين الذين يشركون مع اللّه إلها آخر، ونبههم بقوله : هذا المذكور من المخلوقات : هو من خلق الله وفعله وتقديره وحده لا شريك له في ذلك. والخلق : بمعنى المخلوق. فأخبروني أيها المشركون : ماذا خلق الذين تعبدونهم من غيره من الأصنام والأنداد والجمادات التي لا نفع فيها ولا ضر؟! وبعد توجيه هذا التوبيخ وإظهار الحجة : وصف اللّه أولئك المشركين بالضلال، فهم الظالمون الضالون في إشراكهم مع اللّه غيره، حيث قال اللّه تعالى : بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ أي بل إن هؤلاء المشركين الذين عبدوا مع اللّه إلها آخر، في جهل وعمى، وانحراف وكفر واضح ظاهر، لا خفاء فيه ولا شبهة لكل من تأمله. إنه