تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٠٣٧
اللّه هو الحق، أي الموجود الثابت المستحق للعبادة، وأن كل ما سواه باطل زائل، فهو وحده سبحانه الإله، ولا تعدد في الآلهة، وهو الغني عما سواه، وكل شي ء فقير إليه، وأنه تعالى العلي العظيم الذي لا أعلى منه، المرتفع على كل شي ء، الكبير الذي هو أكبر من كل شي ء، شامل العزة، وكامل السلطان، وكل شي ء في الوجود خاضع له.
ودليل آخر، ألم تعلم أيها النبي أيضا وكل مخاطب أن اللّه سخر البحر لتجري السفن فيه بأمره، أي بلطفه وإحسانه، وتهيئته الأسباب، ليرشدكم إلى معرفته، ويظهر لكم بعض آثار قدرته، فإنه تعالى لولا جعله القوة في الماء لحمل السفن، لما جرت بتأثير الرياح وغيرها من الطاقات المخترعة بإلهامه من فحم وكهرباء وذرة. إن في إيراد هذا الدليل وغيره لأدلة واضحة لكل صابر صبور وقت الشدة، وشاكر شكور وقت النعمة، لأن المؤمن يتذكر ربه في كل حال، فيصبر إذا أصابته نقمة، ويشكر إذا أتته نعمة. قال الشعبي :«الصبر نصف الإيمان، والشكر نصفه الآخر، واليقين : الإيمان كله».
غير أن المشركين وأمثالهم قوم متناقضون، فإذا أشرفوا على الغرق، وأحاطت بهم أمواج البحر العالية أو العاتية كالجبال، وخافوا من الموت، عادوا إلى الفطرة، ودعوا اللّه دعاء خالصا، مشتملا على مزيد الضراعة والإنابة، لا يشركون به غيره، ويستغيثون به وحده، فلما نجوا برحمته وفضله ووصلوا إلى شاطئ البحر، ونزلوا إلى البر، فمنهم مقتصد في الكفر، يتجه فورا إلى توحيد إلى اللّه تعالى، ومنهم غدار ناقض للعهد، كافر بأنعم اللّه عز وجل، وما يكفر بآيات اللّه الكونية والقرآنية إلا كل ختّار أي غدار، قبيح الغدر، كفور، أي جحود بما أنعم اللّه عليه.
وذلك أن نعم اللّه تعالى على العباد كأنها عهود ومنن، يلزم عنها أداء شكرها،