تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٠٩٨
أَفْتَرى وهو من قول بعضهم لبعض. والمعنى : أافترى، دخلت ألف الاستفهام على ألف الوصل، ثم حذف ألف الوصل، وبقيت مفتوحة غير ممدودة، فكأن بعضهم استفهم بعضا عن محمد صلى اللّه عليه وآله وسلّم.
ثم أضرب القرآن الكريم عن قولهم، أي قول الذين لا يؤمنون بالآخرة، فكأنه قال : ليس الأمر كما قالوا، بل الذين كفروا ولم يصدقوا بالآخرة : هم في العذاب الدائم في عالم الآخرة، وهم في الدنيا في الضلال البعيد عن الحق. فقوله تعالى : فِي الْعَذابِ يريد : عذاب الآخرة، لأنهم يصيرون إليه، وقوله : فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ يريد، أنهم في غاية البعد عن الصواب والطريق الذي ضل منه، بسبب حيرة صاحبه.
واحتاجوا إلى التنبيه على قدرة اللّه الخلاقة بخلق السماوات والأرض، والتوبيخ على عدم التفكر والتدبر في ذلك الخلق، فقيل لهم : أفلم ينظروا أمامهم وخلفهم إلى السماء الناطقة بوجود القادر، والأرض الدالة على وجود الصانع؟! فلو نظروا إلى السماء والأرض، لعلموا أن خالقهما قادر على تعجيل العذاب لهم، فإن يرد الله يخسف بهم الأرض، كما خسفها بقارون، أو يسقط عليهم قطعا أو شهبا نارية من السماء تحرقهم، كما أسقطها على أصحاب الأيكة، فلو شاء اللّه لفعل ذلك بهم.
إن في ذلك، أي في إحاطة السماء بالمرء، ومماسّة الأرض له على كل حال، لعلامة قاطعة، ودلالة واضحة على وجود اللّه وقدرته لكل عبد فظن رجّاع إلى الله تعالى، لأن من قدر على خلق هذه السماوات في ارتفاعها واتساعها، وخلق الأرض في انخفاضها وسعتها، قادر على إعادة الأجساد كما كانت. والمنيب : هو الراجع إلى اللّه عز وجل.
لقد تكررت الآيات القرآنية المرشدة إلى الإيمان بالبعث وتقدير قدرة اللّه الفائقة،