تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢١١٤
الافتراء، وليس لهم دليل أصلا على ما زعموا، فلم ينزل اللّه عليهم كتابا قبل القرآن يقرر لهم دينا، ولم يرسل اللّه إليهم نبيا قبل محمد صلّى اللّه عليه وسلم يدعوهم إلى الحق، ولم يبعث اللّه لهم منذرا ينذرهم عذاب الله.
ولا قيمة لتكذيبهم وتشنيعهم، فلقد كذّبت بالرسل قبلهم أقوام كقوم نوح وعاد وثمود، ولم يبلغوا بقوتهم وماليتهم عشر ما آتى اللّه السابقين من ذلك، فلم يمنع ذلك عنهم عذاب الله، وكيف كان إنكاري الشديد عليهم؟
و قوله تعالى : فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ تعظيم للأمر، وليس استفهاما مجردا، وفي هذا تهديد لقريش، أي إنهم معرّضون لنكير وعذاب مثله، فما جرى على المثيل يجري على مثيله، لتساويهما في سبب العقاب، فيتساويان في الحكم والجزاء.
إن وضع المكذبين لرسول اللّه مجرد استكبار وعناد، وهم يعرفون الحق معرفة تامة، ولكنهم يحيدون عنه من غير حجة بينة، ولا دليل بيّن، ولا عذر لهم إلا التقليد المتوارث للآباء والأجداد، وإهمال عقولهم وتفكيرهم ووعي ظروف المستقبل.
الدعوة إلى الإيمان والعبادة والنبوة
أمر اللّه نبيه بدعوة الناس قاطبة إلى عبادة اللّه تعالى وطاعته والإخلاص له، والنظر في حقيقة نبوته هو، والإيمان بالقرآن والقيامة والحساب والجزاء، وذلك لإنقاذ أنفسهم من العذاب الأليم، والبعد عن دائرة الكفر ومفاسده، والضلال ومذاهبه، والسير في فلك الحق ونفعه، والبعد عن الباطل وخسرانه، قبل أن يأتي يوم القيامة، فلا ينفعهم إيمان بالقرآن والنبي محمد صلّى اللّه عليه وسلم، لأن الآخرة دار الحساب والجزاء، والدنيا دار التكليف والاختبار، وهذا صريح الآيات الآتية :
[سورة سبإ (٣٤) : الآيات ٤٦ الى ٥٤]
قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ (٤٦) قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ شَهِيدٌ (٤٧) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (٤٨) قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ (٤٩) قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ (٥٠)
وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (٥١) وَقالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (٥٢) وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (٥٣) وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ (٥٤)