تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢١٥٤
و أضافوا قائلين للناصحين لهم : ما أنتم في طلب الإنفاق منا إلا في خطأ واضح، وانحراف عن جادة الهدى والرشاد.
وسبب هذه الآية : أن كفار قريش لما أسلم حواشيهم من الموالي وغيرهم من المستضعفين، قطعوا عنهم نفقاتهم وجميع صلاتهم، فطلب منهم المؤمنون أيام الموادعة أن يصلوهم، وأن ينفقوا عليهم مما رزقهم الله، فقالوا : أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ ونسوا واجب التعاطف وتألف الجنس.
وتراهم ينكرون البعث (القيامة) فيقولون للمؤمنين استعجالا له بطريق الهزء والسخرية : متى يأتي هذا الوعد بالبعث الذي وعدتمونا به، وتهددونا به، إن كنتم صادقين في ادعائكم ووعيدكم؟
فأجابهم الله تعالى، إنهم لا ينتظرون لإيجاد القيامة والعذاب إلا نفخة واحدة في الصور، هي النفخة الأولى : نفخة الفزع التي يموت بها جميع المخلوقات، وهم يختصمون فيما في شؤون المال، والاقتصاد، وعقود المعاملات. وفي تلك النفخة السريعة الأثر التي يعقبها الموت فورا، لا يستطيع بعضهم الوصية لبعض بأملاكه وديونه، بل يموتون في أماكنهم، ولا يتمكنون من الرجوع إلى ديارهم التي خرجوا منها.
ثم أخبر الله تعالى عن النفخة الثانية : وهي نفخة البعث والانتشار من القبور، فإذا نفخ في الصور نفخة ثانية للبعث والنشور، فإذا جميع المخلوقات يخرجون من القبور، يسرعون المشي إلى لقاء ربهم للحساب والجزاء.
وإذا وجدوا في ساحة البعث والحساب، قال هؤلاء المبعوثون : يا هلاكنا، من الذي بعثنا من قبورنا بعد موتنا؟ وكانوا لا يعتقدون أنهم يبعثون من قبورهم، وقدّروا أنهم كانوا في قبورهم نياما، ولما جوبهوا بالحقيقة المرّة، والواقع المحفوف