تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢١٨٨
ثم استنقذه اللّه تعالى من بطن الحوت بعد مدة إما سبع ساعات أو ثلاثة أيام أو سبعة أيام. وجعل اللّه تعالى استنقاذه بسبب تسبيحه، بعد إنقاذ القدر السابق، والمراد :
لولا أنه كان في حياته من الذاكرين اللّه كثيرا، المنزّهين إياه، المصلين له، لبقي ميتا في بطن الحوت إلى يوم القيامة، والتسبيح : صلاة التطوع في وقت الرخاء، نفعته في وقت الشدة، وهذا رأي جماعة من العلماء. وقال ابن جبير. هو قوله في بطن الحوت :
سبحان اللّه إني كنت من الظالمين. فجعل اللّه الحوت يلقيه، في مكان خال من الناس والنبات، على جانب نهر دجلة، وهو عليل الجسد، سقيم البدن، كهيئة الصبي حين يولد.
وأنبت اللّه عليه شجرة فوقه، تظلله وهي شجرة القرع، وهي سريعة النمو، وبعد استعادة عافيته، أرسله اللّه عائدا إلى القوم الذين هرب منهم يائسا من إيمانهم إلى ركوب البحر، وهم أهل نينوى من أرض الموصل، وعددهم مائة ألف فأكثر، حيث وجدهم قد آمنوا بالله ربهم، بعد أن رأوا أمارات العذاب، فمتّعهم اللّه في الدنيا إلى حين انقضاء آجالهم ومنتهى أعمارهم.
مناقشة عقائد المشركين
بعد أن أورد اللّه تعالى في سورة الصافات أخبار جماعة من أنبياء بني إسرائيل، من قبيل إعداد المقدمات الموطّئة لمناقشة المشركين المكيين في عقائدهم، وجه اللّه تعالى إنذارا يتضمن التوبيخ والتقريع للمشركين على فساد اعتقادهم وإنكارهم البعث، ونسبتهم البهتان إلى اللّه تعالى، وجعلهم البنات للّه تعالى، تنزه الحق عن ذلك، وقالت فرقة منهم هم من بني مدلج قولا بلغ غاية الإفك والكذب : ولد اللّه الملائكة، لأنه نكح في سراة الجن، وهذه آيات مخبرة عن هذه الفصول الغريبة :


الصفحة التالية
Icon