تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢١٩٠
حكمهم في غاية الجور، فأي شي ء يجعل اللّه مختارا البنات دون البنين؟! ما لكم تتورطون في هذا الحكم الظالم؟ أفلا تتدبرون بعقولكم وتتفكرون في أنفسكم، فتتذكروا بطلان قولكم؟! بل ألكم حجة واضحة على هذا القول، فإن كان لكم برهان، فهاتوا برهانكم على ذلك، إن صدقتم في ادعائكم؟
و تكرار هذه الاستفهامات لتكرار التوبيخ والتبكيت والإنكار الشديد على أقوال المشركين في مكة. ومن أعظم افتراءات بعضهم وهم بنو مدلج أنهم جعلوا مصاهرة ونسبا بين اللّه تعالى وبين الجنّة، أي الملائكة، فقالوا : الملائكة بنات الله، ووصفوا بالجنّة، لاستتارهم عن الأبصار. وتالله لقد علمت الملائكة علما يقينيا أن أولئك المشركين لمجموعون للحساب والعذاب في النار، لكذبهم وافترائهم هذا.
تنزيها لله تعالى، وتقديسا له، عن كينونة ولد له، وعما يصفه به الظالمون المشركون، من أوصاف مفتراة.
نزلت هذه الآية كما نقل الواحدي عن المفسرين في قريش وأجناس من العرب :
جهينة وبني سلمة وخزاعة، وبني مدلج أو بني مليح قالوا : الملائكة بنات الله. لكن عباد اللّه المخلصين وهم المتبعون للحق المنزل على رسله الكرام هم ناجون، فلا يساقون إلى عذاب النار، وهذا استثناء منقطع.
ثم أعلن اللّه تعالى مدى عجز المشركين عن إضلال أحد، حيث خاطبهم : فإنكم وآلهتكم التي تعبدونها من دون اللّه لا تقدرون على فتنة أحد عن دينه، وإضلاله، إلا من هو أضل منكم، ممن هو داخل نيران الجحيم، في علم اللّه تعالى، وهم المصرّون على الكفر.
ثم نزّه اللّه تعالى الملائكة مما نسبوا إليه من الكفر بهم والكذب عليهم، حيث أورد اللّه تعالى ذلك على لسان الملائكة بما قالوه : ليس منا ملك إلا له مرتبة معلومة


الصفحة التالية
Icon