تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢١٩٩
تضمنت الآيات بيان عشر صفات لداود عليه السّلام أنعم اللّه بها عليه، وهي :
اصبر أيها النبي محمد على ما يتقوله قومك من الأقاويل التي يريدون بها الاستخفاف، ولا تلتفت إليها، واذكر عبدنا داود ذا القوة في الدين والصّدع به، فتأسّ به وتأيد كما تأيد. والأيد : القوة، وهي في داود متضمنة قوة البدن وقوة الطاعة. وهو الأوّاب : الرجاع إلى طاعة اللّه تعالى في جميع أموره وشؤونه. وهو الصبور على طاعة اللّه تعالى.
وهو عبد اللّه محقّق معنى العبودية بمعنى التذلل والخضوع والانقياد والاجتهاد في الطاعة. وهذه أربع صفات، والخامسة والسادسة : أن اللّه تعالى سخر الجبال والطير معه وذللها، تسبح معه عند إشراق الشمس وآخر النهار.
والسابعة : جمع الطيور وجعلها مع الجبال مطيعة له، تسبح اللّه تبعا له، حال كون الطيور محبوسة في الهواء، فكلما سبّح داود جاوبته، وهذا يدل على أن داود عليه السّلام كان حسن الترتيل، جميل الصوت.
والثامنة : قوة الملك، فقد قوينا ملكه وأيدناه بكل ما وهبناه إياه من قوة وجند ونعمة.
والتاسعة : إيتاء الحكمة، فإنا أعطيناه الفهم والعقل والفطنة وفهم الدين وجودة النظر، والعلم الذي لا ترده العقول، والعدل، وإتقان العمل والحكم السديد.
والعاشرة : حسن الفصل في الخصومات، فإنا ألهمناه حسن الفصل في القضاء بين الناس بالحق، وإصابته وفهمه، وإيجاز البيان، ومنها إيجاب اليمين على المدعى عليه، والبينة على المدعي، وكان إذا خاطب في مسألة، فصّل المعنى وأوضحه، لا يتلكأ، ولا يعجز عن البيان، ولا يعتريه ضعف، فكان كلامه عليه السّلام فصلا.
ومن قضائه أنه تسلق عليه المحراب في يوم العبادة وفي غير يوم المحاكمة رجلان،