تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٢٠٠
ففزع منهم، فقالا له : لا تخف، نحن متخاصمان جار بعضنا على بعض، فاحكم بيننا حكما عادلا، ولا تتجاوز الحق في الحكم ولا تبعد في الحكم، واهدنا أو أرشدنا إلى طريق الحق والعدل. وسواء الصراط : وسطه والواضح منه.
واستفتحت الآيات بالاستفهام : وَهَلْ أَتاكَ.. تعجبا من القصة وتفخيما لها. وعبر عن الاثنين بالجمع : تَسَوَّرُوا ودَخَلُوا وقالُوا على جهة التجوز في العبارة عن الاثنين، بلفظ الجمع. والمحراب : الموضع الأرفع من القصر أو المسجد، وهو موضع التعبد. وفزعه بسبب دخولهم من غير الباب ودون استئذان.
وموضوع الخصومة : إن هذا أخ لي في الدين والإنسانية، يملك تسعا وتسعين شاة، وأملك أنا شاة واحدة، فقال : ملّكنيها، وغلبني في المخاصمة والجدال، والحجة. والنعجة : أنثى الضأن. فقال داود عليه السّلام بعد إقرار المدعى عليه بالدعوى : لقد ظلمك بهذا الطلب، وطمع عليك. وإن كثيرا من الشركاء في المال ليعتدي ويستطيل بعضهم على بعض، إلا من آمن بالله وخاف ربه، وعمل صالح الأعمال، وهؤلاء المؤمنون الصالحون قلة، وشعر داود وعلم أنما اختبرناه وامتحناه، بهذه الواقعة، فاستغفر ربه لذنبه وهو سوء ظنه بالخصمين، وأنهما أتيا لاغتياله، لوقوع اغتيالات في أنبياء بني إسرائيل، وخرّ ساجدا، وعبّر بالركوع عن السجود، لأن القصد منهما التعظيم، ورجع إلى اللّه بالتوبة من ذنبه.
والعرب تعبر بالظن عن المعلومات الناجمة من غير الحواس، ولا يستعمل الظن بمعنى اليقين التام البتّة، كما ذكر ابن عطية في تفسيره.
فغفر اللّه له سوء ظنه، لأن حسنات الأبرار سيئات المقربين، وإن له عند ربه لقربى ومكانة رفيعة وحسن مرجع في الآخرة وهو الجنة.
يا داود إنا جعلناك حاكما بين الناس في الأرض، فاقض بين الناس بالعدل، ولا