تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٢٠١
تتبع أهواء النفس أو مطامع الدنيا، فيوقعك ذلك في الضلال والانحراف عن الحق، إن الذين يحيدون عن طريق الحق والعدل، لهم عقاب شديد يوم القيامة، بسبب نسيانهم أهوال ذلك اليوم وتركهم الاستعداد له. والمقصود من ذلك تنبيه الحكام والقضاة على الحكم بين الناس بالحق والعدل.
التمييز في الحساب بين المصلحين والمفسدين
قد تكون كثرة النعم منسية شكر المنعم، إذا كان الإنسان غارقا في الأهواء والشهوات، ممعنا في الكفر والضلال، بعيدا عن إشعاعات وأنوار الهدي الإلهي، خالي القلب من الإيمان وتوجيهات القرآن، ومن هنا لا غرابة أن يظن الكافرون أن خلق السماوات والأرض إنما هو باطل لا معنى له، كما ينسون النعم الدائمة، المعطاة لهم من أرزاق وخيرات، وقوة وعافية، ووعي وتفكير، وعلم ومعرفة وغير ذلك. ويترتب على هذا أنه لا مساواة في الحساب بين الجاحدين والمفسدين، وبين المؤمنين والمصلحين، وعلى الجميع أن يطلبوا الإيمان والتقوى من كتاب اللّه العزيز، قال اللّه تعالى واصفا هذه الأحوال :
[سورة ص (٣٨) : الآيات ٢٧ الى ٢٩]
وَ ما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (٢٧) أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (٢٨) كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (٢٩)
[ص : ٣٨/ ٢٧- ٢٩].
هذه الآيات واردة بين قصتي داود وسليمان، عظة لأمة النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، ووعيدا للكفرة بالله تعالى.
أخبر اللّه تعالى أن الذين كفروا يظنون أن خلق السماوات والأرض وما بينهما، إنما هو باطل لا معنى له، وأن الأمر لا يؤول إلى ثواب وعقاب، فرد اللّه تعالى