تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٢٠٢
عليهم مكذبا ظنهم، ومتوعدا إياهم بالنار، فالله تعالى لم يخلق السماوات والأرض وما بينهما من المخلوقات عبثا لا حكمة فيه، أو لهوا ولعبا، وإنما خلق ذلك للدلالة على قدرته العظيمة، ومن أجل العمل فيهما بطاعته وعبادته وتوحيده، كما قال الله تعالى : وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦) [الذاريات : ٥١/ ٥٦].
ثم أخبر اللّه تعالى عن كذب ظن الكافرين، وتوعّدهم بالنار، أي إن ظن الذين كفروا بأن هذه المخلوقات العظمى خلقت عبثا لغير غرض، فلا قيامة ولا حساب، هو ظن خطأ كاذب، فيا هلاك هؤلاء الكافرين في النار يوم المعاد والنشور، جزاء ما قدموا من الشرك والعصيان، وجحود نعم اللّه تعالى، وإنكار البعث.
وأبان اللّه تعالى الفرق في الحساب عنده بين المؤمنين العاملين بالصالحات وبين المفسدين الكفرة، وبين المتقين والفجّار، فليس من العدل والمعقول والحكمة التسوية بين الفريقين. والمعنى : بل أنجعل الذين آمنوا بالله وصدقوا رسله، وعملوا بفرائضه، وأصلحوا أعمالهم، فأدوا الفرائض والواجبات على وجه متقن، كالمفسدين في الأرض بالمعاصي والجحود، أم نجعل أتقياء المؤمنين كأشقياء الكافرين والمنافقين والعصاة؟ ليس ذلك حقا ولا عدلا، ولا حكمة ولا نظاما سويا.
وفي هذا البيان والتفرقة بين الفريقين حض على الإيمان وترغيب فيه، ووعيد للكفرة والجاحدين. ونظير الآية كثير في القرآن المجيد، مثل قوله تعالى : إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٣٤) أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (٣٥) ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (٣٦) [القلم :
٦٨/ ٣٤- ٣٦].
ثم أحال اللّه تعالى في طلب الإيمان والتقوى، على كتابه العزيز بقوله : كِتابٌ أَنْزَلْناهُ أي هذا كتاب لمن أراد التمسك بالإيمان والقربة إلينا، إن طريق السعادة الأبدية : هو اتباع القرآن الذي أنزله اللّه هدى ورحمة للمؤمنين، وهو كثير الخير