تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٢٠٥
أبوه، ليتعرف أحوالها، ويستعرضها، كالاستعراضات العسكرية اليوم، فقال سليمان : لقد أحببت هذه الخيل وآثرتها على غيرها حبا حصل بذكر اللّه وأمره، لا بهواي وشغفي، فكانت تركض حتى تغيب عني بسبب الغبار وبعد المسافة. وقوله :
إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ معناه : أحببت هذه الخيل حبّ الخير، أو آثرت محبتها «١».
ومواراتها بالحجاب : بعدها عنه. والمراد : أن حبه للخيل لم يكن إلا امتثالا لأمر الله بربط الخيل لتكون عدة الجهاد في سبيل الله، وتقوية دينه، ونشره بين الناس.
والخير عند بعضهم : هو الذي عند اللّه في الآخرة بسبب ذكر ربي. والظاهر أن المراد بالخير : هو المال، لكثرة استعماله في المال عند العرب. وقال أبو حيان : الخير عند العرب تسمى الخيل.
والخلاصة أو المراد : أحببت الجياد الصافنات أو عرضها حبا مثل حب الخير، منيبا لذلك عن ذكر ربي، وليس المراد بالخير هو الخيل فقط.
ثم أعاد سليمان عليه السّلام عرض الصافنات أمامه، فقال : أعيدوا هذه الخيل إلي، فلما عادت جعل يمسح بيده سيقانها وأعناقها ونواصيها، تشريفا لها وتكريما وتدليلا، ومحنة لها، وسرورا بها. وطفق : معناه دام يفعل. ولا يصح القول بأن عرضها عليه ألهاه عن صلاة العصر حتى غربت الشمس، أو أنه قطّع قوائم الخيل بالسيف، فذلك من الإسرائيليات. وإنما المراد : اختباره بمحبّة الخيل حبا شديدا، لمعرفة مدى تواضعه والبعد عن الاغترار، واشتغاله بالعرض والندم عليه.
والواقعة الثانية : إلقاؤه جسدا على كرسيه : والمعنى : تالله لقد اختبرنا سليمان عليه السّلام باختبار آخر، وهو كما قال الرازي الفتنة في جسده، حيث ابتلاه الله