تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٢٠٦
بمرض شديد في جسمه، حتى نحل جسمه، وأصبح هزيلا، ثم أناب، أي رجع إلى حال الصحة، وقال : رب اغفر لي ما صدر عني من الذنب الذي ابتليتني لأجله، وهذا من باب السمو بتصور الخطيئة، التي لا تعدو أن تكون تركا للأفضل والأولى، وامنحني ملكا عظيما لا يحصل لأحد غيري مثله، إنك أنت الكثير الهبات والعطايا، فأجب دعائي. ويكون المراد بإلقاء الجسد على كرسيه : أنه مرض مرضا كالإغماء، حتى صار على كرسيه جسدا، كان بلا روح. والمراد بقوله لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي أن يتفرد به بين البشر كرامة له.
فأجاب اللّه دعاءه ومنحه خمس نعم هي :
١- لقد ذللنا الريح، تنقاد لأمره، وتجري لينة طائعة في قوة وسرعة، تحمله حيث اتجه إلى أي مكان أراده.
٢- وذللنا له أيضا الشياطين تعمل بأمره، إما في بناء المباني العظيمة، وإما في الغوص في البحار، لاستخراج الدرر واللآلئ والمرجان، وإما في أعمال أخرى.
٣- وذللنا له شياطين آخرين، وهم مردة الشياطين، حتى إنه قرنهم في القيود والسلاسل، قمعا لشرهم، وعقابا لهم. ومقرنين : موثقين.
٤- وجعلنا له حرية التصرف فيما أعطيناه من الملك العظيم والثروة، والسيطرة على الريح والشياطين، وأذنّا له أن يمنح من ثروته من يشاء، ويمنع من يشاء، بلا حساب عليه في الإعطاء أو الإمساك (المنع) أو يمنّ على من شاء من الجن فيطلقه أو يقيده كما قال قتادة.
٥- وإن له في الآخرة لقربى وكرامة عند اللّه تعالى، وحسن مرجع وهو الجنة، وفيض ثواب، فهو ذو حظ عظيم عند اللّه يوم القيامة.
إن هذه النعم العظيمة على سليمان عليه السّلام تدل على عظيم فضل الله، وعلى