تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٣١٠
كنتم تريدون عبادة اللّه، فعبادة اللّه وحده : هي الواجبة والصحيحة والنافعة، وعبادة من دونه من المخلوقات الكونية : هي باطلة كل البطلان، ولا تفيد شيئا.
وهذا ردّ على الصابئة عبدة الكواكب، وعلى عبدة الشمس الذين يزعمون أنهم يريدون من السجود للشمس والقمر السجود لله تعالى. ويلاحظ أن ذكر الليل والنهار يتضمن ما فيهما من طول وقصر، وتداخل واستواء وتفاوت، وذكر القمر والشمس يتضمن ما فيهما من عجائب وحكمة ونفع؟ فإن تكبر هؤلاء المشركون عبدة الكواكب عن امتثال أوامر اللّه تعالى وتوجيه رسوله، وأبو إلا البقاء على شركهم، فلا يهمنك أمرهم أيها الرسول، فإن الذين يعبدون اللّه بحق كثيرون، فمنهم الملائكة الأشراف ذوو المكانة عند اللّه، لا المكان أو الموضع، الذين يواظبون على عبادة اللّه، وتنزيهه في كل وقت، ليلا ونهارا، وهم لا يملّون من عبادة اللّه سبحانه، ولا ينقطعون عن متابعة العبادة، وكلمة عِنْدَ رَبِّكَ ليست ظرف مكان، وإنما هي بيان المنزلة والقربة.
إن هذه الآية تتضمن وعيد المشركين وحقارة أمرهم، وأن اللّه تعالى غير محتاج إلى عبادتهم، فأولى بهم إعادة النظر في صرف جهودهم في شي ء لا طائل معه ولا نفع، وإنما هو سبب عذاب وغضب وسخط من اللّه تعالى.
ثم ذكر اللّه تعالى دلائل أخرى من الأرض وما فيها من أسرار على وجوده وقدرته ووحدانيته، ومن هذه الدلائل : أنك أيها الناظر ترى الأرض هامدة جامدة، لا نبات فيها ولا حياة، فإذا أنزل اللّه عليها المطر، تحركت بالنبات، وانتفخت وعلت، وأخرجت مختلف ألوان الزروع والحبوب والثمار، وفيها مع ذلك خزائن الثروة المعدنية، النفطية السائلة، والجامدة من معادن الذهب والفضة والحديد والنحاس والفوسفات وغيرها.
إن الذي أحيا هذه الأرض الجدبة بالنبات والزرع، قادر على أن يحيي الأموات،