تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٣٢٨
ليست إلى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم ولا بيده، وإنما ذلك إلى اللّه تعالى، وذلكم الحاكم بهذا الحكم :
هو اللّه الرب لكل الخلائق، يتوكل عليه النبي في جميع أموره، ولا يعتمد على غيره، ويرجع إليه وحده منيبا طائعا.
وأسباب الإنابة إلى اللّه وحده لا غيره : أمور أهمها : أنه خالق السماوات والأرض ومبدعهما من العدم، وخالق الأزواج للرجال من جنسهم، ليسكنوا إليهم، ويتحقق التكاثر والتوالد، وخالق الأنعام جنسين ذكرا وأنثى، واللّه هو الذي يكون سببا للتكاثر وبقاء النوع الإنساني، بخلق نسل بعد نسل، وليس لله تعالى شبيه ولا نظير، وهو تام السمع لأدق المسموعات ومختلف الأصوات وكامل البصر، يبصر الأشياء كلها صغيرها وكبيرها، ظاهرها وخفيها، وبيده مفاتيح الخزائن في السماوات والأرض، أي إن كل شي ء يقع بقدرته، يوسّع الرزق لمن يشاء من خلقه، ويضيقه على من يشاء بحسب علمه وحكمته، وهو تام العلم بكل شي ء يحدث في هذا الوجود، من إغناء وإفقار وغير ذلك.
وحدة الرسالات الإلهية
مهمة الأنبياء والرسل واحدة، قديما وختما بالرسالة المحمدية، وهي تنحصر في الدعوة إلى وحدة اللّه تعالى، وإقامة الدين والمحافظة عليه، وإطاعة اللّه، والإيمان برسله وكتبه واليوم الآخر، ولكن يصعب أو يشق على المشركين ترك الوثنية والانضمام لمبدأ توحيد الإله، ولم يختلف جميع المدعوين إلى الإسلام من وثنيين وأهل كتاب من اليهود والنصارى إلا بعد إقامة الحجة عليهم، ولو لا سبق القضاء الإلهي بتأخير العذاب عنهم، لعجلت لهم العقوبات في الدنيا، قال اللّه تعالى مبينا هذا :
[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ١٣ الى ١٤]
شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (١٣) وَما تَفَرَّقُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (١٤)


الصفحة التالية
Icon