تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٣٤٠
بذنوب البشر، ويعف عن كثير من ذنوبهم، أو عن كثير منهم، فينجيهم من الغرق، ويعلم اللّه الذين ينازعون في آيات اللّه، ويكذبونها، ولا يتمكن أحد من الفرار أو المهرب أو النجاة من عذاب اللّه.
وما أروع ما عقب اللّه تعالى على هذه الآيات : وهو التحذير من الاغترار في الدنيا، فما أعطيتم من الغنى والسعة في الرزق والجاه والسلطان، فإنما هو متاع قليل في الدنيا، وما عند اللّه من ثواب الطاعة ونعيم الجنة خير من متاع الدنيا، وأبقى وأدوم، لأنه لا ينقطع ولا ينقص، أما متاع الدنيا : فهو ينقطع أو ينقص بسرعة، وبقاؤه لأهل الإيمان الصحيح بالله ورسوله، وعلى ربهم يعتمدون في كل شؤونهم.
قال علي رضي اللّه عنه : تصدّق أبو بكر رضي اللّه عنه بماله كله، فلامه جمع، فنزلت الآية : فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ..
جاء في الحديث أنه أنفق ثمانين ألفا.
صفات أهل الجنة
لم يترك القرآن الكريم شيئا إلا أوضحه وأعلنه، فذكر صفات أهل النار وأسباب استحقاقهم للعذاب، وذكر صفات أهل الجنة وما أهّلهم للنعيم والثواب، وهذه الصفات الطيبة : هي الإيمان بالله إلها واحدا، والتوكل عليه بعد اتخاذ الأسباب، واجتناب الكبائر من الذنوب والعفو عند المقدرة، وإطاعة اللّه وترك نواهيه، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والتشاور في الأمور كلها، والشجاعة والقوة في استرداد الحقوق المغتصبة، وقد نصت الآيات الكريمة الآتية على هذه الصفات، لضرورة الاتصاف بها، قال اللّه تعالى :
[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ٣٧ الى ٤٣]
وَ الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (٣٧) وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣٨) وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (٣٩) وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (٤٠) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (٤١)
إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٤٢) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (٤٣)