تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٣٦٠
اللّه تعالى قولهم بالمطالبة بالدليل النقلي : هل أعطيناهم كتابا قبل القرآن ينطق بما يدّعون، ويتمسكون به ويحتجون به؟ ليس الأمر كذلك إطلاقا.
نزلت هذه الآية : بَلْ قالُوا كما ذكر مقاتل في الوليد بن المغيرة وأبي سفيان وأبي جهل وعتبة وشيبة ابني ربيعة من قريش، قالوا هذا القول.
ولا حجة لهم إلا تقليد الآباء والأجداد، فإنهم قالوا : لقد وجدنا آباءنا على هذه الطريقة والمذهب في عبادة الأصنام، وإنا سائرون على منهاجهم، ومتبعون آثارهم.
والتقليد الباطل أو الأعمى قديم، فمثل ما أرسلنا إليك أيها الرسول أرسلنا إلى من قبلك، فجوبهوا بمثل هذا، وقال المترفون المنعمون : وهم قادة القوم لرسولهم المرسل إليهم لتخويفهم من بأس اللّه وعذابه : إنا وجدنا آباءنا على هذه الملة أو الطريقة والدين، وإنا على مذهبهم سائرون، ولطريقتهم متبعون.
وعبر هنا بكلمة (مقتدون) لإفادة مجرد الاتباع، وفي الآية السابقة (مهتدون) لإفادة ادعاء الهداية. وهذا يدل على أن التقليد في العقيدة والعبادة ضلال.
وكان جواب الرسل لأقوامهم عن التقليد : أتتبعون آباءكم، ولو جئناكم بدين أهدى من دين آبائكم؟ فأجابوهم معلنين كفرهم صراحة : لا نعمل برسالاتكم، ولا سمع ولا طاعة لكم، وإنا جاحدون منكرون ما أرسلتم به.
فلم يكن بعد الإصرار على الكفر إلا أن انتقم اللّه من الأمم المكذبة للرسل بأنواع العذاب، كقوم نوح وعاد وثمود، فانظر أيها المخاطب العاقل : كيف كان مصير المكذبين رسلهم، كيف بادوا وهلكوا، وآثارهم موجودة للعبرة والنظر.


الصفحة التالية
Icon