تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٣٦١
إنكار النبوة وحقارة الدنيا
من افتراءات المشركين وتناقضاتهم في التقليد الأعمى وغيره : أنهم يقلدون في عبادة الأصنام، ولا يقلدون أبا العرب إبراهيم عليه السّلام في عقيدة التوحيد، وأنهم يطيعون الشيطان ويتلهون بمتاع الدنيا عن كلمة التوحيد، ويصفون رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بأنه ساحر كذاب، منكرين نبوته، ويدّعون أن الأحق بالنبوة : الزعيم الشريف، والثري الكبير، وصاحب النفوذ. ولكنهم في كل ذلك مخطئون، فإن معايير اختيار النبي ليست كمعايير الدنيا، فاصطفاء النبي يكون بالقيم الثابتة الأدبية والروحانية والمقومات العالية عند الإنسان، والدنيا ومتاعها حقير، فليست دليلا على السمو والتفوق، والآخرة خير وأولى، وصف اللّه تعالى هذه الأحوال في الآيات الآتية :
[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٢٦ الى ٣٥]
وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (٢٦) إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (٢٧) وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٢٨) بَلْ مَتَّعْتُ هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتَّى جاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ (٢٩) وَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ قالُوا هذا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كافِرُونَ (٣٠)
وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (٣١) أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (٣٢) وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ (٣٣) وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً وَسُرُراً عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ (٣٤) وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ (٣٥)
«١» «٢» «٣» «٤» [الزخرف : ٤٣/ ٢٦- ٣٥].
لقد تبرأ إبراهيم الخليل عليه السّلام من تقليد الآباء في الدين، فاذكر أيها الرسول لقومك قريش المقلّدين للآباء : لم لم يقلدوا أباهم إبراهيم الذي تبرأ مما يعبد أبوه
(٢) مسخرا في العمل وقضاء الحوائج.
(٣) مصاعد أو سلالم.
(٤) زينة مزوقة.