تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٣٦٢
(آزر) وقومه من الأصنام، ودعا إلى عبادة اللّه وحده لا شريك له، قائلا : لا أعبد إلا الذي فطرني، أي خلقني، فإنه تعالى سيرشدني إلى الحق وإلى صراط مستقيم.
وكانوا يعرفون اللّه تعالى ويعظمونه، إلا أنهم كانوا يشركون معه أصنامهم، فكأن إبراهيم قال لهم : أنا لا أوافقكم إلا على عبادة اللّه الفاطر، أي الخالق.
وجعل إبراهيم عليه السّلام كلمة التوحيد : وهي عبادة اللّه وحده، ونبذ عبادة الأوثان هي الكلمة الباقية الدائمة في ذريته، يقتدي به فيها من هداه اللّه تعالى منهم، ورجاء أن يرجع إليها من أشرك منهم كأهل مكة. والعقب : الذرية وأولاد الأولاد.
لكن هؤلاء القرشيين ممن بقيت الكلمة فيهم، متّعهم اللّه تعالى بطول العمر وسعة الرزق، هم وآباؤهم، فاغتروا بالمهلة وإطالة العمر وتوافر النعمة، إلى أن جاءهم الحق : وهو القرآن الكريم، والرسول الذي أبان الحق، وأوضح مبدأ التوحيد بالحجة الساطعة.
ثم تمادوا في ضلالهم، فأخبر اللّه تعالى على سبيل التوبيخ والتقريع بأنهم قالوا عن القرآن : هذا سحر، وأنهم كفروا به، وصفوا القرآن بالسحر لأنه يفرّق بين المرء وولده وزوجه، فيؤمن بعضهم ويبقى الآخر كافرا، فهو في زعمهم كالسحر، ولم يدروا أن المؤمن المفارق بالقرآن يفارق عن بصيرة في الدين، والمفارق بالسحر يفارق عن خلل في الدين.
ثم أخبر اللّه تعالى عن معيار الوثنيين في اختيار النبي، فقالوا : هلا أنزل هذا القرآن على رجل عظيم من أهل مكة أو الطائف، وهما الوليد بن المغيرة ريحانة قريش، ومسعود بن عروة الثقفي زعيم ثقيف، فكل منهما عظيم المال والجاه.
فرد اللّه تعالى عليهم بثلاثة أوجه : أولها : أيجوز لهم أن يقسموا رحمة ربك وهي النبوة، فيختاروا لها من يريدون؟ نحن الذين نقسم الأرزاق والحظوظ بين العباد في