تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٣٦٥
إله إلا اللّه، وأشهد أن محمدا رسول اللّه، فأنزل اللّه هذه الآية : وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ.. الآية.
والمعنى : من يتغافل أو يتعام عن النظر في القرآن في القرآن والعمل به، ومن يعرض عن شرع اللّه تعالى، ويقلّ نظره في تذكير الرحمن الذي ذكّر به عباده، نيسر له شيطانا يلازمه ويغويه، فيكون له قرينا مصاحبا له على الدوام، أي إن هذا عقاب على الكفر بالطبع على القلب وعدم الفلاح، وهذا كما يقال : إن اللّه تعالى يعاقب على المعصية بالتزيد في المعاصي، ويجازي على الحسنات بالتزيّد في الحسنات، وقد روي هذا المعنى مرفوعا، ونقيض له شيطانا : نهيّئ ونضم ونيسر له.
وإن الشياطين الذين يقيضهم اللّه تعالى لكل معرض عن ذكر الرحمن، ليمنعونهم بالوسواس عن سبيل الحق والرشاد، ويحسب الكفار بسبب تلك الوسوسة أنهم مهتدون إلى الحق والصواب.
ثم يتبرأ الكافر في الآخرة من قرينه الشيطان، فإنه إذا وافى اللّه يوم القيامة يتبرم بالشيطان الذي وكل به، ويتمنى البعد عنه كما بين المشرق والمغرب، فبئس الصاحب الملازم للإنسان شيطانه.
ويقال للكافرين في الآخرة توبيخا : لن ينفعكم في هذا اليوم شي ء، إذ تبين أنكم ظلمتم أنفسكم في الدنيا، ولن ينفعكم اشتراككم في العذاب، أي لن يفيدكم مواساة الآخرين في أنكم وهم متساوون في العذاب، إذ التأسي أو المواساة راحة لكل مصاب في الدنيا في الأغلب، فهي أي المواساة تخفف ألم المصابين.
ثم أخبر اللّه نبيه مواساة له أن دعوته لا تؤثر في قلوب قومه، بالاستفهام، فقال له : أتستطيع أيها الرسول إسماع الصمّ والعمي والغارقين في ضلال واضح؟ وهذه أوصاف ثلاثة بعد وصفهم بالعشا، أي التعامي عن القرآن.