تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٣٦٦
و اقتضى هذا الإعراض تهديدهم بالانتقام، فإذا أمتناك أيها الرسول قبل نزول العذاب بهم، فإننا منتقمون منهم في الدنيا أو في الآخرة، وإن أبصرناك الذي وعدناهم به من العذاب قبل موتك، فنحن قادرون عليه أيضا، ومتى شئنا عذبناهم.
فتمسك أيها الرسول بالقرآن الذي أوحينا لك به، فإنك على الطريق القويم، والمنهج السليم، الذي يوصلك إلى سعادة الدنيا، ونجاة الآخرة وعزها.
ومنزلة القرآن الكريم عظيمة جدا لك ولقومك، فإنه لشرف عظيم لك ولقريش وللعرب قاطبة، لنزوله بلغتهم العربية، وسوف تسألون عن هذا القرآن، كيف عملتم به؟ كما جاء في آية أخرى : لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ [الأنبياء : ٢١/ ١٠] أي شرفكم وسمعتكم العالية.
ثم أفاد اللّه تعالى أن الدعوة إلى توحيد اللّه وترك الشرك أمر قديم فاسأل سلالات من أرسلنا قبلك من الرسل : هل أذن اللّه بعبادة الأوثان في ملة من الملل؟ فجميع الرسل دعوا إلى عبادة اللّه وحده لا شريك له، ونهوا عن عبادة الأصنام، ولم يجعل اللّه آلهة معبودة من دون الرحمن.
الاعتبار بقصة موسى عليه السّلام
أنكر اللّه تعالى في آيات سابقة على المشركين جعلهم الثروة أساس اختيار الأنبياء، وضرب لهم مثلا حسيا بفرعون الذي قال : إنني غني كثير المال والجاه، وكان جدال موسى عليه السّلام له مفحما، ومعجزاته مبطلة لكل إفك فرعون. وأظهر القرآن الكريم مدى تأثير سلطة فرعون على قومه، فإنه استخف عقولهم حينما دعاهم إلى تكذيب موسى عليه السّلام، فأطاعوه لضلالهم، فانتقم اللّه تعالى منهم أشد