تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٤١٤
هذه الآية، وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ، ثم قال مشركو مكة حينما رأوا إيمان جماعة من الفقراء المستضعفين، كعمار وصهيب وابن مسعود : لو كان هذا الدين خيرا، ما سبقنا إليه هؤلاء، وحين لم يهتدوا بالقرآن ظهر عنادهم، وسيقولون بعدئذ : هذا كذب مأثور عن الأقدمين. نزلت كما أخرج الطبري عن قتادة قال : قال ناس من المشركين : نحن أعز، ونحن ونحن، فلو كان خيرا ما سبقنا إليه فلان وفلان، فنزل : وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا.. وقال قتادة أيضا : هي مقالة أشراف قريش، يريدون عمارا وصهيبا وبلالا ونحوهم ممن أسلم، وآمن بالنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم.
ومما يدل على أن القرآن حق وصدق، وأنه من عند الله : اعترافكم أيها المشركون بإنزال التوراة على موسى، الذي هو إمام وقدوة يقتدى به في الدين، وهو رحمة لمن آمن به، وهذا القرآن الموافق للتوراة في أصول الشرائع، مصدق لكتاب موسى ولغيره من الكتب المتقدمة، أنزله الله لينذر به النبي من عذاب الله الذين ظلموا أنفسهم، وهم مشركو مكة، ويبشّر به المؤمنين الذين أحسنوا عملا.
ثم ذكر الله تعالى حال المؤمنين، وجزاءهم الأخروي، فإن الذين جمعوا بين التوحيد والاستقامة على منهج الشريعة، لا يخافون من وقوع مكروه بهم في المستقبل، ولا يحزنون من فوات محبوب في الماضي. والخوف : هو الهمّ بما يستقبل، والحزن :
هو الهمّ بما مضى، وقد يستعمل فيما يستقبل استعارة، لأنه حزن لخوف أمر ما.
أولئك المؤمنون الموحدون المستقيمون على أمر الله : هم أهل الجنة ماكثون فيها على الدوام، مقابل ما قدموه من أعمال صالحة في الدنيا، أي إن الجزاء بسبب العمل الصالح في الدنيا، على منهج العدل والحق. وهذا دليل على أن الله تعالى جعل الأعمال أمارات على جزاء الإنسان، لا أنها توجب على الله تعالى شيئا، لكن لا يكون دخول الجنة إلا بفضل من الله وإحسان.