تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٤٢٥
و في قولهم : أَنْصِتُوا تأدب مع العالم، وتعليم كيف يكون التعليم.
وأكدت سورة الجن على هذا، باستماعهم القرآن وإيمانهم به، ومطلعها : قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً (١) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً (٢) [الجن : ٧٢/ ١- ٢].
وأدى وفد الجن هذا مهمة تبليغ القرآن ورسالته إلى قومهم، فقالوا : يا قومنا، إننا سمعنا كتابا أنزله اللّه من بعد توراة موسى، مصدقا لما قبله من الكتب المنزلة على الرسل، يرشد إلى الدين الحق، وإلى طريق قويم نافع في العقيدة والعبادة والمعاملة والخبر.
وخصصوا موسى عليه السّلام بالذكر، لأحد أمرين : إما لأن هذه الطائفة من الجن كانت تتدين بدين اليهود، وإما لأنهم كانوا يعرفون أن موسى عليه السّلام قد ذكر محمدا صلّى اللّه عليه وسلّم وبشّر به.
وأضافت الجن قائلين : يا قومنا، أجيبوا داعي اللّه : وهو رسول اللّه خاتم النبيين، أو أجيبوا القرآن الداعي إلى توحيد اللّه وعبادته وطاعته، يغفر لكم بعض ذنوبكم التي هي من حقوق اللّه، ويحمكم ويمنعكم من عذاب موجع مؤلم، هو عذاب النار، والمؤمن يدخل الجنة، وتحميه الحفظة من النار.
وفي هذه الآية دلالة واضحة على أن اللّه تعالى أرسل محمدا صلّى اللّه عليه وسلّم إلى الثقلين : الجن والإنس، حيث دعاهم إلى اللّه تعالى، وقرأ عليهم سورة الرحمن التي فيها خطاب الفريقين، فكان النبي إذا قرأ : فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٣) [الرحمن : ٥٥/ ١٣] قالوا : لا شي ء من آلائك ربنا نكذّب، ربنا لك الحمد. ولما ولّت هذه الجماعة تفرقت على البلاد منذرة للجن، قال قتادة : ما أسرع ما عقل القوم.
وأتم الجن كلامهم لقومهم بعد الأمر بإجابة داعي اللّه، وبالتحذير من مخالفته،


الصفحة التالية
Icon