تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٤٢٧
تبعث ولا تعاد، وهم مع ذلك معترفون بأن اللّه تعالى خلق السماوات والأرض، فأقيمت عليهم الحجة من أقوالهم.
والرؤية في قوله : أَوَلَمْ يَرَوْا رؤية القلب، أي أولم يتفكر القرشيون المنكرون للبعث، ويعلموا أن الذي خلق الكون من السماوات والأرض في ابتداء الخلق، ولم يعجز عن ذلك ولم يضعف عن الخلق، بل قال لها : كوني فكانت، بقادر على أن يحيي الموتى من قبورهم مرة أخرى؟! بلى (جواب بعد النفي المتقدم) أي بل إن اللّه قادر على ذلك كله، إنه سبحانه وتعالى قادر على أي شي ء أراد خلقه، ولا يعجزه شي ء في الأرض ولا في السماء.
وبعد لفت النظر هذا، جاء وعيد الكفار من قريش وسواهم، واذكر أيها الرسول لقومك يوم يعذّب الكافرون بالله في نار جهنم، ويعرضون مباشرة عليها، ويقال لهم توبيخا وتقريعا : أليس هذا العذاب الذي تعذّبونه حقا وعدلا وواقعا لا شك فيه، وقد كنتم تكذبون به؟ فيجيبون : بلى وربنا، فذلك تصديق حيث لا ينفع. قال الحسن البصري : إنهم ليعذّبون في النار، وهم راضون بذلك لأنفسهم، فيعترفون أنه العدل، فيقول لهم المحاور من الملائكة عند ذلك : فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ أي يقال لهم على سبيل الإهانة والتوبيخ : ذوقوا عذاب النار، بسبب كفركم به في الدنيا وإنكاركم له.
والداعية الناجح : هو الذي لم يترك سبيلا للإصلاح والإرشاد إلا سلكه، وتدرّع بالصبر، ولم يغضب ولم يضجر، لذا أمر اللّه نبيه بأن يصبر على تكذيب قومه، قائلا :
فاصبر يا محمد على تكذيب قومك كصبر أولي الجد والعزيمة من الرسل، وأنت منهم، وهم أصحاب الشرائع الكبرى : نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد صلوات اللّه وسلامه عليهم، ولا تستعجل يا محمد لهم العذاب، فإنه واقع بهم حتما.