تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٤٥١
«١» [الفتح : ٤٨/ ١- ٧].
إنا فتحنا لك أيها النبي فتحا ظاهرا عظيما هو صلح الحديبية، عند جمهور الناس، وهو الصحيح، وليس فتح مكة، أي إن ما يسّر اللّه تعالى لك أيها الرسول في خروجك إلى مكة للعمرة فتح مبين تستقبله، ونزلت سورة الفتح مؤنسة للمؤمنين، لأنهم كانوا استوحشوا من ردّ قريش لهم، ومن تلك المهادنة التي هادنهم النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، فنزلت السورة مؤنسة لهم في صدهم عن البيت الحرام، ومذهبة ما كان في قلوبهم.
ورأى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أنه هادن عدوه ريثما يتقوى هو، وظهرت على يديه آية الماء في بئر الحديبية، حيث وضع فيه سهمه، وثاب (تفجر) الماء، حتى كفى الجيش، وتمت فيه بيعة الرضوان. وهي الفتح الأعظم، كما قال جابر بن عبد اللّه، والبراء بن عازب، وأدى ذلك إلى فتح خيبر، وامتلأت أيدي المؤمنين خيرا، ولم يفتتحها إلا أهل الحديبية، ووقعت في تلك السنة ملحمة عظيمة بين الروم وفارس، انتصر فيها الروم، فكانت من جملة الفتح على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، لظهور أهل الكتاب على المجوس، وتخضيد شوكة الكفر الوثني.
ثم عظّم اللّه تعالى أمر نبيه صلّى اللّه عليه وسلّم وشرّفه بأن أنبأه بأنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، أي لكي يجتمع لك مع المغفرة تمام النعمة في الفتح، والهداية إلى الصراط المستقيم، والنصر العزيز المنيع الذي لا ذل معه، أو الفريد الذي لا شبيه له.
ولكي يتم اللّه إنعامه عليك بإعلاء شأن الدين، وانتشار الإسلام، وفتوح البلاد شرقا وغربا، وليرشدك إلى الطريق القويم بما يشرعه لك من الشرع العظيم، ولينصرك اللّه على أعدائك نصرا غالبا منيعا، لا يتبعه ذل. وإتمام النعمة على النبي :