تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٤٥٢
هو إظهاره، وتغلبه على عدوه، والرضوان في الآخرة، والنصر العزيز : هو الذي معه غلبة العدو والظهور عليه.
أخرج أحمد والشيخان والترمذي والحاكم عن أنس قال : أنزلت على النبي صلّى اللّه عليه وسلّم لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ مرجعه من الحديبية، فقال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم : لقد أنزلت على آية أحب إلي مما على الأرض، ثم قرأها عليهم، فقالوا : هنيئا مريئا لك يا رسول اللّه، قد بيّن اللّه لك ماذا يفعل بك، فما ذا يفعل بنا؟ فنزلت : لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ حتى بلغ فَوْزاً عَظِيماً.
إن اللّه عز وجل هو الذي أوجد الطمأنينة في قلوب المؤمنين، وهم الصحابة رضي اللّه عنهم، يوم الحديبية، الذين استجابوا لله ولرسوله، ليزيدهم اللّه يقينا جديدا على يقينهم الحاصل من قبل. ويسمى هذا اليوم : رفع الروح المعنوية للجيش، وإنزال السكينة في قلوب المؤمنين : هو تسكينها لتلك الهدنة مع قريش حتى اطمأنت، وعلموا أن وعد اللّه حق. فازدادوا بذلك إيمانا إلى إيمانهم الأول، وكثر تصديقهم.
وهذا دليل على زيادة الإيمان وتفاضله في القلوب.
ولله تعالى السلطان على جنوده في السماوات والأرض، من الملائكة والإنس والجن والشياطين، والقوى الكونية في السماء والأرض، من بحار وأنهار وزلازل وبراكين وأعاصير. وكان اللّه ولا يزال عليما بمصالح خلقه، حكيما في صنعه وتقديره وتدبيره، وهذا إشارة إلى تسكين النفوس أيضا، وأن تكون مسلمة، لأنه ينصر من شاء، متى شاء، وعلى أي صورة شاء، مما لا يدبره البشر. ومن جنده السكينة التي أنزلها في قلوب الصحابة، فثبّتت بصائرهم.
ثم عرف اللّه نبيه ما يفعل به وبالمؤمنين والكافرين، فقد دبر اللّه ما دبر، من تسليط المؤمنين على الكافرين، ليعرفوا نعمة اللّه في ذلك، ويشكروها، وليدخل