تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٤٨١
و سالمناك فلا نحاربك، والإيمان بعد لم يدخل في قلوبكم، واللّه كثير المغفرة لمن تاب وأناب وأخلص العمل، واسع الرحمة فلا يعذب بعد التوبة.
دلت الآية على أن الإيمان : الذي هو التصديق بالقلب مع اطمئنان النفس أخص من الإسلام : الذي هو الاستسلام والانقياد لله تعالى، الذي يعصم أو يحقن الدم. ثم بيّن القرآن حقيقة الإيمان، إنما المؤمنون الإيمان الخالص : هم الذين صدقوا بالله ورسوله تصديقا تاما في القلب، وإقرارا باللسان، ثم لم يشكوا ولم يترددوا في إيمانهم، بل ثبتوا على حال واحدة، وهي التصديق المحض بالحق مع الاطمئنان النفسي، والأمن الذاتي، وجاهدوا بالأموال والأنفس حق الجهاد، من أجل طاعة اللّه وابتغاء رضوانه، قاصدين بجهادهم وجه اللّه وإعلاء كلمته ودينه، أولئك المتصفون بهذه الصفات المذكورة هم الصادقون في إيمانهم.
ثم أمر اللّه تعالى نبيه صلّى اللّه عليه وسلّم بتوبيخهم وبيان حقيقة أمرهم بقوله : قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ أي قل أيها الرسول لهم : أتخبرون اللّه بما في ضمائركم من الدين، أو بقولكم : آمَنَّا وهو يعلم منكم خلاف ذلك، لأنه العليم بكل شي ء في السماوات والأرض وما بينهما، فكيف يجهل حقيقة ما تدّعونه من الإيمان؟
ثم ذكر اللّه سبحانه أن إسلامهم لم يكن لله، فإنهم يمتنون بإسلامهم، أي يعدّون إسلامهم منّة ونعمة عليك أيها النبي، حيث قالوا : جئناك بالأثقال والعيال، ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان وبنو فلان، أي إنا آمنّا بك، واتّبعناك ولم نحاربك، كما فعلت محارب وحصفة وهوازن وغطفان وغيرهم، فنزلت هذه الآية فيهم، أي في بني أسد، كما حكى الطبري وغيره.
قل أيها النبي : لا تعدّوا أيها الأعراب إسلامكم منّة علي، فإن نفع ذلك إنما يعود عليكم، بل اللّه يمتن عليكم، حين وفقكم للإيمان، بزعمكم إذ تقولون : آمنا، فقد