تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٥٣٨
منشقا شقين بمكة، قبل مخرج النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، فقالوا : سحر القمر، فنزلت : اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ.
والمعنى : قربت القيامة ودنت، لكنّ وقتها مجهول التحديد،
أخرج الإمام أحمد والبخاري ومسلم والترمذي، عن أنس رضي الله عنه : أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال :«بعثت والساعة كهاتين» وأشار بالسبّابة والوسطى.
وانشق القمر فعلا نصفين، معجزة للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم، وآية ظاهرة على قرب القيامة وإمكانها.
أخرج الإمام أحمد والبخاري ومسلم وغيرهم عن أنس : أن أهل مكة سألوا رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم أن يريهم آية، فأراهم القمر شقتين، حتى رأوا حراء (و هو جبل مشهور بمكة) بينهما.
لكن المشركين ظلوا على عنادهم، فإنهم وإن يروا علامة على النبوة وصدق النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، يعرضوا عن التصديق والإيمان بها، ويولّوا مكذبين بها، قائلين : هذا سحر محكم قوي، من المرّة أي القوة، أو دائم مطرد متماد. وكذبوا بالحق الساطع حين جاءهم، وهو آيات الله الظاهرة، اتبعوا شهواتهم، لا بدليل، ولا بتثبّت، بسبب جهلهم وسخفهم، فهددهم الله ورد على تكذيبهم وأخبرهم بأن كل أمر مستقر، أي كل شي ء منته إلى غاية، فالحق يستقر ثابتا ظاهرا، والباطل يستقر زاهقا ذاهبا، ومن جملة ذلك أمر النبي صلّى اللّه عليه وسلّم سينتهي إلى غاية يظهر فيها أنه على حق، وأنهم على باطل.
ثم ونجّهم الله على إصرارهم على الكفر وعلى ضلالهم، فقال : وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ (٤) أي وتالله لقد جاء مشركي مكة وأمثالهم من أخبار الأمم المكذبة رسلها، وما حل بهم من العقاب والنكال، مما أخبر به القرآن، ما فيه كفاية لزجرهم وكفّهم عما هم فيه من الشرك والوثنية، ويدخل في كلمة (الأنباء) جميع ما جاء به القرآن من المواعظ والقصص وأحداث الأمم الكافرة.