تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٥٤٨
إن هؤلاء الأقوام العتاة (قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وآل فرعون) بلغوا الحد الأقصى في الضلال والفجور، وتجاوزوا المعتاد والحدود كلها، فكانوا أمثولة العالم، وحديث البشرية إلى يوم القيامة، فالله تعالى يعاقب بمثل هذا العقاب كل من اتصف بصفات تلك الأقوام، والجزاء من جنس العمل. وهو سبحانه أيضا ينجي أهل الإيمان الذين أطاعوا اللّه ورسوله، ولم يخشوا إلا اللّه لا صنما ولا وثنا، ولا حجرا ولا صخرة، ولا كوكبا، ولا شخصا مهما بلغ في عتوه وضلاله، ويظل البقاء على الدوام لأهل الحق والسداد، ويفنى مع الزمان أهل الباطل والعدوان.
تهديد المشركين وتهنئة المتقين.
بعد أن أورد اللّه تعالى قصص إهلاك الأمم المتقدمة الذين كذبوا الرسل، وهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وآل فرعون في سورة القمر، هدّد اللّه تعالى مشركي مكة وأمثالهم، بأن ينزل بهم من العذاب ما نزل بمن تقدمهم، لتشابههم في السبب :
و هو الإصرار على الضلال والشرك وتكذيب النبي صلّى اللّه عليه وسلّم ولهم في الآخرة عذاب أشد وأبقى. ثم بشّر اللّه تعالى وهنأ المتقين الذين آمنوا بالله ورسوله، وعملوا بطاعته بالجنة والأنهار العذبة التي آمنوا بها، وفي مقاعد النور والخير والإحسان التي صدقوا بها، بقرب من اللّه عز وجل قرب مكانة وتكريم، لا قرب مكان وتعيين، فقال اللّه سبحانه :
[سورة القمر (٥٤) : الآيات ٤٣ الى ٥٥]
أَ كُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ (٤٣) أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (٤٤) سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (٤٥) بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ (٤٦) إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (٤٧)
يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (٤٨) إِنَّا كُلَّ شَيْ ءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ (٤٩) وَما أَمْرُنا إِلاَّ واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (٥٠) وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٥١) وَكُلُّ شَيْ ءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (٥٢)
وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (٥٣) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (٥٤) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (٥٥)
«١» «٢» «٣»

(١) أي سلامة من العذاب مكتوبة في الكتب.
(٢) يهربون إلى الوراء فارين.
(٣) أعظم بلية وأشد مرارة.


الصفحة التالية
Icon