تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٦٥٦
«١» [الجمعة : ٦٢/ ٥- ٨].
إن مثل اليهود الذين كلفوا العمل بالتوراة والقيام بأوامرها ونواهيها، ثم هجروها وتركوها، كمثل الحمار الذي يحمل الكتب الكبيرة على ظهره، وهو لا يقدّر قيمتها وأهميتها، ولا الفرق بينها وبين الأحمال الأخرى، لأنه عديم الفهم. وهذا كما حمل الإنسان الأمانة. فهم لم يلتزموا حدود التوراة، حين كذبوا بمحمد صلّى اللّه عليه وسلّم، والتوراة تنطق بنبوته، فكأن كل خير لم ينتفع به من حمّله، كمثل حمار عليه أسفار، لا يميز بينها. والأسفار جمع سفر : وهو الكتاب المجتمع الأوراق منضّدة.
ما أقبح ما يمثّل به للمكذبين الذين كذبوا بآيات اللّه، وما أشنع هذا التشبيه، وهو تشبيه اليهود بالحمار، فإياكم أن تكونوا أيها المسلمون مثلهم. واللّه لا يوفق للحق والخير القوم الكافرين، بنحو عام، ومنهم اليهود بالأولى. فقوله : بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ معناه وتقديره : بئس المثل مثل القوم.
ثم ذمّ اليهود ذمّا آخر، وردّ على مزاعمهم ردا آخر، قل أيها الرسول : يا أيها اليهود إن كنتم تزعمون أنكم أولياء اللّه، أي أحباؤه من دون الناس، وأنكم على هدى، وأن المسلمين على ضلالة، فاطلبوا الموت لتصيروا إلى الكرامة أو التكريم في زعمكم، وادعوا بالموت على الضّال من الفئتين، إن كنتم صادقين في هذا الزعم.
روي أنها نزلت بسبب أن يهود المدينة لما ظهر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خاطبوا يهود خيبر في أمره، فذكروا نبوّته، وقالوا لهم : إن رأيتم اتّباعه أطعناكم، وإن رأيتم خلافه خالفناه معكم، فجاءهم جواب أهل خيبر يقولون : نحن أبناء إبراهيم خليل الرحمن، وأبناء عزير ابن اللّه، ومنا الأنبياء، ومتى كانت النّبوة في العرب؟ نحن أحقّ بالنّبوة